Между приливами и отливами: страницы о языке, литературе, искусстве и цивилизации
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Жанры
أبريل 1924
رأينا هذه السنة المعرض السادس، وهو طبق المرام، ذو صبغة مصرية كما يليق بالبلاد التي يقام فيها، وطائفة كبيرة من معروضاته من صنع المصريين، ومعها معروضات لغير المصريين، محترفين وهواة، رجالا ونساء. وهذا هو الكمال في المساواة في عوالم الفن والفكر والعلم، حيث تتجلى الطبيعة الإنسانية العامة واحدة عند الجميع.
وقد درج المعرض على هذه المساواة منذ سنته الثانية، بيد أنه أقيم هذه المرة في قاعات سافواي بصورة شبه رسمية ومكبرة عن صورة المعرض الذي كان يقام في الأعوام الماضية، وهو الذي كان حجر الزاوية منه ذلك المعرض الصغير في دار جامعة المحبة القبطية سنة 1919.
كانت القطع المعروضة هذا العام تنيف على الأربعمائة، ولا أدري هل اللجنة المنظمة أصابت في ذلك؛ لأن الكثرة ليست ضمانا لرقي الذوق الفني ولا دليلا على جودة الصنعة.
قد لا يغض التدفق من نفاسة النوع عند الطبائع الغنية الفياضة، ولكنه عندئذ الاستثناء الجميل. أما القاعدة ففي وجوب التأني للإتقان الذي لا كمال بدونه؛ والقليل المتقن لا سيما عند المبتدئ خير من الكثير المشوش.
كان على اللجنة أن تتصعب في قبول المعروضات، وأن تكون أدق نظرا في الاختيار؛ ليكون القبول منها بمثابة التشجيع لذوي المواهب الفنية والتقدير لمعروضاتهم. كان عليها أن تنبذ «الخرابيش» التي يزعم أهلها أنهم يعرفون يرسمون ويصورون، فلا تضع الادعاء والخلو حيال الكفاءة والمقدرة يطميان عليهما. وخير «للصالون» أن يحوي مائة لوحة - أو أقل - جديرة بالالتفات والاستحسان من أن يحوي مقدار ما تحويه صالونات باريس وروما؛ فيظهر العجز في هذه الكثرة، ولا يكون تعدد الأطر والنقوش شفيعا في نقص الأصل وضعفه.
فمن تلك المعروضات ما كان يحتمل احتمالا، ومنها السطحي المصطنع الباهت كأنه نقش بماء الورد، ومنها ما لا يقبل إلا كاثر رسم في الطفولة يوم بدأنا ننسخ طاقات الورد والأواني الزرقاء والصفراء عن دفتر كاتارينا كلاين الألمانية. وأفهم أن يستاء الفنانون من جيرة لا ملق لهم فيها ولا فخر.
وكان مما يبعث على السرور والأمل أن نتبين بين تلك القطع - المنسوخة عن منسوخ في الغالب - بعض الرسوم الجديرة بمكانة لائقة في أي معرض ذي كرامة؛ فنرى فيها فن التلوين، وجرأة الخطوط، وإحكام الرسم، وجلاء الأسلوب، وحذق التعبير عن خاطرة جلية أو تأثر غير مرتبك.
ولا بأس من عيب أو عيوب إذا كانت اللوحة ناطقة بمزاج فني واضح الحدود والفوارق، فعيوب المصور في الخطوط والألوان والشكل والقالب بمثابة الأغلاط اللغوية في آثار الكاتب. تلك الأغلاط تتضخم ولا تغتفر عند الكويتب المتطفل، بينا هي جزء من شخصية الكاتب الكبير. فالشواذ اللغوية والبيانية كثيرة عند شكسبير، وجلية عند بايرن وغيره، على أنها لا تنقص من قيمتهم، بل الواقع أنهم جوزوها ودمجوها في اللغة لمجرد وجودها في آثارهم، وهي عيوب قابلة الإصلاح، وإصلاحها من أسهل ما يكون.
رأينا من هذه اللوحات في المعرض. أما عيوبها ففي: ارتباك التأليف، وعدم مراعاة التوازن في توزيع الطباق والإبعاد، وكأنها كانت مفتقرة إلى توحيد الأسلوب على منهج واحد. ولكن فيها مجهودا جميلا، واقتحاما جديدا، وسعيا لشق سبيل غير مألوف.
Неизвестная страница