Между религией и философией: Мнение Ибн Рушда и философов средневековья
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Жанры
وإذن، لا نرى ما يدعونا لمناقشة الرأي القائل بأن العرب لم يكونوا في هذه الناحية إلا مجرد نقلة للفلسفة الإغريقية، وأنه كما يذهب «إرنست رينان»: من الإفراط إعطاء اسم «فلسفة إسلامية» لعمل لم يكن إلا عارية من اليونان، وليس له أي عرق في شبه الجزيرة العربية، فإن ما يدعونه فلسفة عربية أو إسلامية، ليس إلا فلسفة يونانية كتبت بحروف عربية، وهذا كل شيء!
وكذلك لا يتعرض للتدليل على ما ذهب إليه الأستاذ «ريتير
Rittir » ومن معه في رأيه، من أن للإسلام فلسفة من الممكن بالتأكيد أن تسمى فلسفة إسلامية، وأن «رينان» تناقض مع نفسه، حين زعم في كتابه «التاريخ العام للغات السامية» من أنه ليس هناك فلسفة عربية مطلقا؛ وذلك إذ يقول في كتاب آخر له: «إن العرب مثلهم في هذا مثل فلاسفة العصر الوسيط، متعللين بشرح أرسطوطاليس، أمكنهم أن يخلقوا لهم فلسفة مليئة بالعناصر الخاصة بهم، ومختلفة تماما بلا ريب عن الفلسفة التي كانت تدرس بالليسيه لدى اليونان.»
وكذلك لا نجد حاجة لإثبات أن الرأي الحق هو أن العرب وقد وقفوا على ما أوحاه الله إلى رسوله، عليه الصلاة والسلام، بدأت عقولهم في التفكير مدفوعة بعوامل عديدة، وأحسوا الحاجة إلى فهمه والتعمق فيه، إلى بيان ما اشتمل عليه من حقائق دينية تكونت منها العقيدة الإسلامية، والقرآن مع هذا كان يأمر بهذا الاتجاه، ولكنهم من أجل الوصول إلى هذه الغاية قد استعملوا طرق الفلسفة الإغريقية التي عرفوها من زمن بعيد، والتي ازدادوا معرفة بها بعد عصر الترجمة المعروف.
نحن إذن لا نناقش هذا الرأي أو ذاك، ونكتفي بالقول بأن موضوع هذا البحث هو بيان «موقف ابن رشد بين الدين والفلسفة». أهذا الموقف هو الميل إلى الفلسفة على حساب الدين؛ أي: هل كان يرى أن الحق هو ما أدى إليه النظر الفلسفي، فيجب إذن تفسير العقائد الدينية والحقائق التي جاء بها الوحي الإلهي على هذا الأساس؟
أم كان موقفه بين هذين الطرفين هو العكس، أي إنه حاول جر الفلسفة إلى الدين الذي يجب الإيمان به أولا؟ أم كان موقفه لا هذا ولا ذاك بل كان العمل على التوفيق بين الدين والفلسفة، اللذين لا يمكن أن يتعارضا؛ وذلك لأنهما أخوان، كل منهما يكمل الآخر وفي حاجة إليه؟
إن موقف فيلسوف الأندلس على ما نرى هو العمل بكل سبيل للتوفيق بين هذين الطرفين اللذين يعبران عن الحقيقة الواحدة، كل على نحو خاص، ومن ثم لا ينبغي أن يكون بينهما تعارض أو خلاف، كما أنه من أجل ذلك لا يمكن أن يقع بسببهما تعارض أو خلاف بين رجال كل منهما، رغم ما قد يوجد من تعارض ظاهري في بعض المسائل، ورغم ما كان من اعتقاد كثير من رجال الدين - وعلى رأسهم الإمام الغزالي - أن بين هذين الطرفين أو بين هذين التعبيرين من الحقيقة الواحدة، خلافا شديدا وتعارضا واضحا لا يمكن إنكاره أو تجاهله.
وقد كان من الطبيعي أن يحاول كل فيلسوف مسلم التوفيق بين هذين الطرفين، ولكن لا نعرف أحدا من الفلاسفة المسلمين الذين سبقوا ابن رشد بذل في هذا السبيل ما بذله هو من جهد، ولا خصص لها من كتاباته قدر ما خصص هو لها. إن ابن رشد لم يمس هذه المشكلة عرضا كما فعل بعض أسلافه، بل خصص لها رسالتين من مؤلفاته، وتجلت في كثير من بحوثه في كتابه المهم الكبير «تهافت التهافت».
بل إن نزعته إلى هذا التوفيق بين الدين الذي يؤمن به حق الإيمان، وبين الفلسفة التي كان من أكبر نصرائها، تعتبر معقد الأصالة والطرافة في تفكيره الفلسفي، وذلك كما يقول بحق الأستاذ «ليون جوتييه».
1
Неизвестная страница