ومن محاسن المصادفة أن الحبشة
21
لم تحرم من تعضيد بعض أبطال التاريخ الحديث أمثال ديفاليرا، حاكم أيرلندا الشهير ورئيس دولتها، فقد حضر مندوبا عن وطنه. وهذا امتياز عظيم يقوم حجة على أعداء الحرية، فلولا استقلال أيرلندا الذي نالته بشق الأنفس ما استطاعت أن تقف بجانب الدول العظمى في عصبة الأمم، بل كانت لا تزال معدودة «مديرية أو محافظة» بريطانية. خطب فقال:
ستقوم أيرلندا بواجبها كاملا، ليس الإنسان وحشا ضاريا، وليس النصر دائما للأقوى، والأكثر شراسة (اقرأ بين السطور قوله: انظروا لنا وقارنوا!) إذا كان واحد من المعتدين تطلق يده والآخر تغل يده، فخير لنا أن نعود إلى نظام المعاهدات السرية.
وهو يشير بذلك إلى منع السلاح عن الحبشة.
وحتى مملكة ابن سعود الوهابية (ولا نقول هذا استصغارا لشأنها، بل لبعدها عن حلبة الوغى) عرضت معاونتها العسكرية لعصبة الأمم في مقاومة التعدي الإيطالي، وبذلك يكون السنيور موسوليني قد فاز في حشد كل الدول المسيحية والإسلامية والوثنية ضد إيطاليا في الشرق الأدنى والأوسط والأقصى.
لقد أسفر اجتماع العصبة عن تأليف لجنة خماسية لحل النزاع حلا مباشرا نهائيا، وعرض هذا الحل على الدولتين المتنازعتين، فإن قبلتاه حبا وكرامة، وإن رفضته إحداهما تكأكأ الكل عليها لقهرها وإرغامها. وقد أتمت اللجنة الفرعية عملها في وضع التقرير بالمقترحات في نصف شهر سبتمبر، وقد بني على أساس اقتراحات مؤتمر باريس التي رفضتها إيطاليا، وقد وضع بالإجماع مع الحرص على سلامة حقوق السيادة القومية.
وفي الوقت نفسه ذاع أن الحرب تعلن في آخر سبتمبر، والرأي العام في الحبشة على أن زمن الخطب والمفاوضات قد انتهى، وأن معين عصبة الأمم قد نضب، وعجزها ظهر وثبت.
وقد رفضت إيطاليا جميع اقتراحات اللجنة الخماسية بغير تردد، وهي تتلخص في إبطال الرقيق، وتشجيع الاستثمار الاقتصادي لموارد الحبشة، ورقابة الأمور المالية والضرائب الحبشية، وتخلي إنجلترا وفرنسا عن شقة من الأرض في الصومال لإيطاليا، وإعطاء الحبشة منفذا إلى البحر.
وفي 21 سبتمبر، اجتمع وزراء إيطاليا وخطبهم الدوتشي ساعة، وقرروا بعد المناقشة رفض الاقتراحات بأكملها.
Неизвестная страница