Между двумя дворцами

Наджиб Махфуз d. 1427 AH
159

Между двумя дворцами

بين القصرين

Жанры

وتساءل ياسين: أكان يشير إليها وكانت تبتسم إليه؟! ... أرأيتها تبتسم حقا؟!

وأعادت أمينة الفنجان إلى الصينية، فأسندت رأسها إلى راحتها قائلة بلهجة تنم عن الوعيد: كمال! الكذب في مثل هذا الأمر جريمة لا يغفرها الله ... راجع نفسك يا ابني ... ألم تعد الحق في شيء؟!

وحلف كمال بأغلظ الأيمان، فقال فهمي بيأس ومرارة: إنه لا يكذب، ليس في وسع عاقل أن يتهمه بالكذب فيما قال، ألا تدركون أن اختراع مثل هذه القصة هو أبعد ما يكون عن تصور واحد في سنه؟!

فتساءلت الأم بصوت حزين: وكيف يسعني أن أصدقه!

فقال فهمي وكأنه يحدث نفسه: أجل كيف يمكن تصديقه! ... (ثم بصوت حاد) ولكنه وقع ... وقع!

وقعت الكلمة الأخيرة من نفسه موقع الخنجر، كررها وكأنما يكرر الطعن متعمدا، حقا شغلته عن مريم الشواغل، فلم تعد ذكراها تلوح إلا في حاشية أحلام يقظته، ولكن الطعنة التي أصابت سمعتها نفذت إليها خلال قلبه. إنه ذاهل ... ذاهل ... ذاهل، لا يدري إن كان نسي أم لم ينس، يحب أم يكره، يغضب للكرامة أم للغيرة ... ورقة شجر جافة في مهب زوبعة متناوحة. - كيف يسعني أن أصدقه؟ ... طالما كانت ثقتي في مريم كثقتي في خديجة أو عائشة، أمها من الفضليات، أبوها طيب الله ثراه كان من الأكرمين ... جيران العمر ونعم الجيران.

قال ياسين - الذي بدا طول الوقت مستغرقا بالتفكير - بلهجة لم تخل من سخرية: علام تعجبون؟ ... منذ القدم والله يخلق من صلب الأبرار أشرارا. فقالت أمينة محتجة كأنما تأبى أن تصدق أنها خدعت طوال ذلك الدهر: يشهد الله أني لم ألاحظ عليها ما يسوء قط.

فقال ياسين بحذر: ولا أحد منا، حتى خديجة العيابة الكبرى، بل خدع بها من هو أفطن منك ومني!

فهتف فهمي متألما: من أين لي أن أطلع على الغيب؟! إنه أمر يشق تصوره.

وحنق على ياسين لدرجة الغليان، ثم بدا له الخلق جميعا بغضاء، الإنجليز والمصريون على السواء ... الرجال والنساء - والنساء خاصة - إنه يختنق ... هفت نفسه إلى الاختفاء ليتنشق في وحدته نسمة راحة، بيد أنه لم يبرح مكانه كأنما شد إليه بحبال غلاظ.

Неизвестная страница