فقال: ترى من أية جبلة خلقت؟ وهل إن ما يدور في عروقك مخلوط بماء مبرد ...؟ ما لم تكن حبيبتك من اللاتي لا يمكن تسميتهن ...؟ آه منك يا لص، قل هل هي جميلة؟ ومن هو ذاك الرجل الذي تسرقه؟
فلم أدر بادئا ما أقول، وكأن جذوة في كل خد من خدي اتقدت ثم قلت: كيف تشاء أن أبوح بسر اؤتمنت عليه ...؟ ولكني قد صرفت أفكاري عن تلك المرأة التي أحبها تماما، والدليل على ذلك أني من الآن أقدم ذاتي لكورالي، وأكون بخدمتها متى تشاء.
فترنح سرورا وقال: هذا ما يعد كلاما.
الفصل العاشر
جئت المكتب في ذات يوم متأخرا على خلاف عادتي فلم أجد البارون، فسألت لامبون عنه فقال: لا أدري ما الداعي لتأخيره، وأظن أن الحادث العظيم قد تم أو كاد، فقلت: وأنا أظن كذلك، فهل لك أن تعينني على إرسال البريد المستعجل؟ ثم أذهب وأستعلم.
وبينما كنا في منتهى الإكباب على الشغل دخل البارون من الباب تلوح عليه علامات السرور والفرح، فضمني إلى صدره حتى كاد يخنقني، وقال بصوت يقطعه الحنان: صبي، آه يا مكسيم يا ولدي العزيز؟ ما أسعدني، لي ولد، لي وريث، أتسمع؟ لي وريث ، ما أدنى الإسعاد إلي وما أسخى نعمى الأيام علي!
كان يبكي ويضحك معا، وكنت أشعر أن يده العريضة تضطرب فوق كتفي.
فقلت في نفسي لتراع السماء من آثامي: كيف تمحى من مخيلتي ذكرى أيام قضيتها بالفسق، وهتك أعراض الناس؟ وهل إنها تزول وفي الوجود ولد ربما كان من دمي؟
فكنت في حيرة كل حيرة دونها، ولم أجد ما أقول له، غير أن شدة الحنان جعلته لا يدرك ارتباكي.
ثم استلقى على مقعد وامتلأت وجنتاه دما فقال: كنت عند جوزيفا، ولما جئت البيت نحو منتصف الليل سمعت فيه حركة غير عادية، فدعونا درتيل فأسرع إلينا، وجعل يداويها ويعتني بها، وقبل الفجر اشتدت الأوجاع عليها، فبكت بصوت عال وانتحبت، حتى كاد قلبي يذوب وكنت لا أنام ولا أسكن، أمشي في البيت ذهابا وإيابا مشية أسد سائر.
Неизвестная страница