فقلت لها وأنا أبتسم: يقولون هذا.
قالت: وأنت؟ ألم تره؟ هل هو أعمى فعلا؟ هل فقد بصره؟
قلت بضيق قليل: يبدو هذا.
قالت بالاستنكار: يبدو؟ ألا تعرف أنت؟
قلت: نحن بانتظار تقرير أحد الأساتذة.
وحاولت أن أغير الموضوع، وكانت المحاولة صعبة؛ فلم يكن عندي موضوع حقيقي جديد أستبدل به الحديث، الوضع بيني وبينها كان قد وصل إلى حد معين، ذاك الحد الذي يصبح فيه الكلام نوعا من السفسطة والتفاهة. كان مفروضا بعد المشهد الذي حدث بيننا إما أن تنتهي علاقتنا عند هذا الحد ونفترق، أو أمضي معها إلى آخر الشوط فتستمر علاقتنا إنما على مستوى آخر غير المستوى الذي كانت فيه، ولكن علاقتنا لم تنقطع، وأيضا لم تنتقل إلى هذا المستوى، وظللنا في فترة الترقب والانتظار التي تتبع أي هجوم فاشل. علاقات الحب هي الأخرى تنمو كما ينمو الكائن الحي ولا بد أن تستمر تنمو، وكل مرحلة من مراحل نموها لها خصائصها، والحديث يصلح لعلاقات الصداقة أو المعرفة الجديدة، أما وقد وصل الموقف بيننا إلى تلك المرحلة الحرجة، أنا أصارحها بحبي وهي تقف موقفا مائعا لا تريد أن تقبله ولا تريد أن ترفضه، فأي حديث يصلح لهذا الموقف؟ لا بد أولا من حسم الأمر والانتهاء من هذه النقطة لنصعد بعلاقتنا درجة أخرى، ونتبادل أحاديث من نوع آخر.
وهكذا كان الحال بيني وبينها هذه المرة، نظرات أصوبها إليها وأحاول أن أقول بها كل ما لا يستطيعه لساني، وتهويمات حول حبي لها من بعيد أحاول بها أن أدفعها بتؤدة ورقة لأن تتكلم هي عن علاقتنا، ولكنها تدرك بالغريزة كنه نظراتي وتهويماتي، ولا تفعل شيئا أكثر من أن تبتسم بملامحها الشديدة الدقة الشديدة البياض. ابتسامات محيرة، ابتسامات مراقبة، لا تريدني أن أعتقد أنها تشجعني أو تثبطني، ولكنها تترك لي حرية أن أبدأ ثم أتراجع، وأتقدم ثم أتأخر، وأرتبك وأتلعثم، وأحيانا أفلح في نطق بضع جمل متكاملة لها معنى.
وغيرت هي الحديث مرة وسألتني: هل رأيت شوقي أخيرا؟
وكنت قد رأيته طبعا؛ فعملي معه يحتم علي أن أراه عدة مرات في اليوم، ولكني قلت: كويس، ولو أني لم أره من مدة.
لا أعرف لم كذبت، ولا أعرف أيضا لم رحت أتحدث عن شوقي متعمدا أن أشيد بمواهبه وشخصيته وحبي له.
Неизвестная страница