ولا أعرف كيف جاء هذا الخاطر اللعين إلى تفكيري، ربما كان عقلي قد وجد فيه مخرجا للأزمة العنيفة، وربما لم أكن قد لاحظت علامة واحدة أحسست منها أنها تحبني مثلما أحبها، مع أني كنت أقول لنفسي إنها ربما تدخر إحساسها كله لتعبر لي عنه بعدما ينتهي المشهد إلى نهايته الطبيعية؛ أي بعد أن أصل معها إلى مرحلة الاتحاد الكامل. هناك فوق قمة تلك المرحلة وبعد أن نجتازها ممكن أن تأخذ رأسي بين راحتيها وتقص علي قصة أحاسيسها ناحيتي بصراحة ودون أن تخفي شيئا؛ فالمرأة أحيانا تدخر اعترافاتها لنهاية الشوط وبعد أن تكون قد اطمأنت إلى أنها الكاسبة. ولكني كنت أستبعد أن تكون سانتي من هذا الصنف من النساء، بل لم أكن أريدها أن تكونه. لماذا تضن علي بعواطفها وأنا لم أضن عليها بعواطفي؟ ولكن دموعها، لماذا تبكي هذا البكاء المتصل المرير وكأنها في جنازة أو مساقة للذبح؟ لماذا لا أحس أنها في حالة هيام عاطفي مثلما أنا هائم؟ لماذا تقابل انفعالي العظيم بذلك الانكماش المطلق؟ لماذا هي غير منفعلة مثلما أنا منفعل؟ مرة أخرى لا أعرف كيف واتاني هذا الخاطر، ولكني وجدته ينصب أمامي ويصفر في عقلي صفيرا طويلا كئيبا يورث الوحشة ويهز الكيان.
لماذا لا تكون المسألة كلها مجرد أحاسيس عارمة من جانبي أنا وحدي؟ لماذا لا تكون قصة الحب التي تخيلتها مجرد خيالات دارت في عقلي أنا فقط؟
جفلت للخاطر وكأني قد اصطدمت صدمة مفاجئة مروعة بحاجز صلب قاس، بل أحسست حقيقة بأني أشم في أنفي رائحة كالتي تحدث حين يصوب لنا أحدهم لكمة هائلة في الأنف، ووجمت. ولكن وجومي لم يستمر إلا للحظات خاطفات، بعدها استعدت نفسي تماما، بل جمعت كل نفسي وكل كياني وكل شغفي بها وخوفي عليها ورغبتي فيها، وهززتها برفق بين ذراعي وأنا أقول لها في همس ملح: إذن أنت حقيقة لا تريدين يا سانتي؟
وتململ جفناها، وبشريط ضيق من عينيها واجهتني وقالت في كلمات نطقتها وكأنها تذرفها حتى كان لها نفس دفء الدموع: أكنت تظن أنت غير هذا؟
فقلت وصفارة الخاطر لا يزال صداها في رأسي: كنت ... كنت ... أجل كنت أظن هذا.
وكنت أتوقع أن تتكلم، ولكنها سكتت، فعدت أسألها وأستحثها: صحيح يا سانتي ... لم تريديني، وكنت فقط تتحملينني؟
وقالت: أجل، أجل.
ودفعت رأسي بعنف من صدرها وأنا أقول: يا للفظاعة!
وتنبهت سانتي تماما، وأمسكت بيدها وجذبت رأسي بحماس لكي أواجهها وقالت: مالك يا يحيى، مالك؟
فقلت لها وأنا بالكاد أركب الكلمات وأصنع منها جملا وأكملها بتعبيرات وجهي وتقلصات يدي وأصابعي: تصوري! كنت فقط تتحملينني، لم تكوني تريدينني وكنت أنا أثقل عليك بسخفي وبعواطفي، وأنت طيلة الوقت تتحملينني. هذا مريع حقيقة، سيئ جدا.
Неизвестная страница