ـ[بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام]ـ المؤلف: علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان (المتوفى: ٦٢٨هـ) المحقق: د. الحسين آيت سعيد الناشر: دار طيبة - الرياض الطبعة: الأولى، ١٤١٨هـ-١٩٩٧م عدد الأجزاء: ٦ (٥ أجزاء، ومجلد فهارس) [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

Неизвестная страница

مُقَدّمَة المُصَنّف بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الشَّيْخ، الْفَقِيه، الْمُحدث، الْعَالم، الأوحد، أَبُو الْحسن: عَليّ بن الشَّيْخ، الْفَقِيه، المرحوم أبي عبد الله، مُحَمَّد بن عبد الْملك بن يحيى الْمَعْرُوف بِابْن الْقطَّان ﵀ وَرَضي عَنهُ -: الْحَمد لله كَمَا يحِق لَهُ وَيجب، وَالصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على مُحَمَّد نبيه الْمُصْطَفى الْمُنْتَخب. وَبعد: فَإِن أَبَا مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ، ثمَّ الإشبيلي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - قد خلد فِي كِتَابه الَّذِي جمع فِيهِ أَحَادِيث [أَحْكَام] أَفعَال الْمُكَلّفين علما نَافِعًا، وَأَجرا قَائِما، زكا بِهِ عمله، ونجح فِيهِ سَعْيه، وَظهر عَلَيْهِ مَا صلح فِيهِ من نِيَّته، وَصَحَّ من طويته فَلذَلِك شاع الْكتاب الْمَذْكُور وانتشر، وتلقي بِالْقبُولِ، وَحقّ لَهُ ذَلِك، لجودة تصنيفه، وبراعة تأليفه واقتصاده وجودة اخْتِيَاره، فَلَقَد أحسن فِيهِ مَا شَاءَ وأبدع فَوق مَا أَرَادَ، وأربى على الْغَايَة وَزَاد، وَدلّ مِنْهُ على حفظ وإتقان، وَعلم، وَفهم، واطلاع، واتساع، فَلذَلِك لَا تَجِد أحدا ينتمي إِلَى نوع من أَنْوَاع الْعُلُوم

2 / 7

الشَّرْعِيَّة، إِلَّا وَالْكتاب الْمَذْكُور عِنْده، أَو نَفسه مُتَعَلقَة بِهِ. قد حداهم حسن تأليفه إِلَى الإكباب عَلَيْهِ وإيثاره وخاصة من لَا يُشَارك فِي طلبه بِشَيْء من النّظر فِي علم الحَدِيث، من فُقَهَاء، ومتكلمين، وأصوليين، فَإِنَّهُم الَّذين قد قنعوا بِهِ، وَلم يَبْتَغُوا سواهُ، حَتَّى لربما جر عَلَيْهِم جهالات: [منهاٍ] اعْتِقَاد أحدهم أَنه لَو نظر فِي كتب الحَدِيث نظر أَهله، فرواها وتفقد أسانيدها، وتعرف أَحْوَال رواتها فَعلم بذلك صِحَة الصَّحِيح، وسقم السقيم وَحسن الْحسن، فَاتَهُ كثير مِمَّا احتوى عَلَيْهِ الْكتاب الْمَذْكُور من مشتت الْأَحَادِيث، الَّتِي لَا يحتوي عَلَيْهَا إِلَّا مَا يتَعَذَّر على الْأَكْثَر من النَّاس جمعه. وَهَذَا مِمَّن اعتقده غلط، بل إتقان كتاب من كتب الحَدِيث، وتعرفه كَمَا يجب، يحصل لَهُ أَكثر مِمَّا يحصل لَهُ الْكتاب الْمَذْكُور من صناعَة النَّقْل فَإِنَّهُ مَا من حَدِيث يبْحَث عَنهُ حق الْبَحْث، إِلَّا ويجتمع لَهُ من أَطْرَافه - وَضم مَا فِي مَعْنَاهُ إِلَيْهِ، والتنبه لما يُعَارضهُ فِي جَمِيع مَا يَقْتَضِيهِ أَو بعضه، أَو مَا يعاضده وَمَعْرِفَة أَحْوَال نقلته وتواريخهم - مَا يفتح لَهُ فِي الْألف من الْأَحَادِيث. وَكَذَلِكَ يجر عَلَيْهِم أَيْضا اعْتِقَاد أَن مَا ذكره من عِنْد البُخَارِيّ مثلا لَا بُد فِيهِ من البُخَارِيّ وَمَا علم أَنه رُبمَا يكون عِنْد جَمِيعهم، وَمَا ذكره من عِنْد أبي دَاوُد،

2 / 8

رُبمَا لَيْسَ هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ، أَو النَّسَائِيّ، وَلذَلِك ذكره من عِنْد أبي دَاوُد وَمَا علم أَنه رُبمَا لم يخل مِنْهُ كتاب [أَيْضا] . وَكَذَلِكَ [أَيْضا] / يجر عَلَيْهِم تَحْصِيل الْأَحَادِيث مشتتة غَايَة التشتت بِحَيْثُ يتَعَرَّض للغلط فِي نسبتها إِلَى موَاضعهَا بِأَدْنَى غيبَة عَنْهَا وَلذَلِك مَا ترى المشتغلين بِهِ، الآخذين أنفسهم بحفظه، ينسبون إِلَى مُسلم مَا لَيْسَ عِنْده أَو إِلَى غَيره مَا لم يذكر كَذَلِك، وَرُبمَا شعر أحدهم بِأَنَّهُ بذلك مُدَلّس كتدليس من يروي مَا لم يسمع عَمَّن قد روى عَنهُ، من حَيْثُ يُوهم قَوْله: ذكر مُسلم أَو البُخَارِيّ كَذَا، أَنه قد رأى ذَلِك فِي مَوْضِعه، وَنَقله من حَيْثُ ذكر، فيتحرج من ذَلِك أحدهم فيحوجه ذَلِك إِلَى أَن يَقُول ذكره عبد الْحق، فَيحصل من ذَلِك فِي مثل مَا يحصل فِيهِ من يذكر من النَّحْو مَسْأَلَة وَهِي فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فَيَقُول: ذكرهَا الْمَهْدَوِيّ فِي التَّحْصِيل أَو مكي فِي الْهِدَايَة أَو يذكر مَسْأَلَة من الْفِقْه، هِيَ فِي أُمَّهَات كتبه، فينسبها إِلَى متأخري الناقلين مِنْهَا بِخِلَاف مَا يتَحَصَّل الْأَمر عَلَيْهِ فِي نفس قَارِئ كتاب مُسلم، أَو أَبى دَاوُد مثلا، فَإِنَّهُ يعلم الْأَبْوَاب مرتبَة مصنفة، وأطرافها من غَيره وَمَا عَلَيْهَا من زيادات، أَو معارضات، أَو معاضدات، مرتبَة عَلَيْهَا فِي

2 / 9

خاطره بِحَيْثُ لَا يخْتل وَلَا يتثبج إِلَّا فِي الندرة. وَالَّذِي يحصل من علم صِحَة هَذَا الَّذِي وصفناه للمزاول، أَكثر وَأبين مِمَّا وَصفنَا مِنْهُ، فالكتاب الْمَذْكُور من حَيْثُ حسنه وَكَثْرَة مَا فِيهِ، قد جر الْإِعْرَاض عَن النّظر الصَّحِيح، وَالتَّرْتِيب الأولى، من تَحْصِيل الشَّيْء من معدنه، وَأَخذه من حَيْثُ أَخذه هُوَ وَغَيره. هَذَا على تَقْدِير سَلَامَته من اختلال نقل، أَو إغفال، أَو خطأ، فِي نظر أهل هَذَا الشَّأْن. فَأَما وَالْأَمر على هَذَا، فقد يجب أَن / يكون نظر من يَقْرَؤُهُ وبحثه أَكثر وأكبر من بحث من يقْرَأ أصلا من الْأُصُول، لَا كَمَا يصنعه كثير مِمَّن أكب عَلَيْهِ: من اعتمادهم على مَا نقل، وتقليدهم إِيَّاه فِيمَا رأى وَذهب إِلَيْهِ من تَصْحِيح أَو تسقيم، وَقد يعمم بَعضهم هَذِه الْقَضِيَّة فِي جَمِيع نظر الْمُحدث، وَيَقُول: إِنَّه كُله تَقْلِيد، وَإِن غَايَة مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ النَّاظر بنظرهم تَقْلِيد معدل أَو مجرح، فَهُوَ كتقليد مصحح أَو مضعف للْحَدِيث. وَهَذَا مِمَّن يَقُوله خطأ بل يَنْتَهِي الْأَمر بالمحدث إِلَى مَا هُوَ الْحق من قبُول الرِّوَايَة ورد الرَّأْي فَهُوَ لَا يُقَلّد من صحّح وَلَا من ضعف، كَمَا لَا يُقَلّد من حرم وَلَا من حلل، فَإِنَّهَا فِي العلمين مسَائِل مجتهدة، لكنه يقبل من رِوَايَة

2 / 10