الوجه الثاني: أنهم جعلوا صدور الأفعال منه تعالى عن حكمة محالا عليه غير ممكن له ولا داخل في مقدوره كإحالة الأكل والشرب عليه وصدروها عن حكمة غير محال في حق الصبيان والمجانين والمفسدين عند الجميع، بل يلزمهم أن الله -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- لو عكس الصدق والحق وبعث الكذابين المفسدين وأيدهم بالمعجزات ما كان أولى من عكس ذلك ولم ينفصلوا عن هذا الإلزام بوجه بين، فقال بعضهم: إنما يمتنع الكذب في كلام الله لأنه قديم، قد جوز الكذب من حيث هو محدث قبيح، لكنه مع ذلك ينسب إلى الله تعالى عدم القدرة عليه فجمع بين تجويز نقصين: نقص الكذب لو دخل في قدرة الله، ونقص المعجز عنه وأنه تعالى لا يقدر على إحداث كلام البتة تعالى الله عن ذلك علواكبيرا، وقد أبطله الرازي بأن القدم يختص الكلام النفسي لا الأصوات عندهم، قال: إنما يمتنع الكذب على الله تعالى لأنه صفة نقص، وهذا صحيح لكن كون الكذب صفة نقص اعتراف بالتحسين والتقبيح العقليين وهو اعتراف بثبوت الحكمة عقلا، وإذا وقع الإجماع على أن الكذب صفة نقص فكذلك تعذيب الأنبياء بذنوب أعدائهم، وإثابة أعدائهم بحسناتهم صفة نقص محال على الله عقلا وسمعا من الجهة التي استحال عليه الكذب منها، ومن زعم أن بينهما فرقا في النقص على العدل الحكيم فقد أبطل.
Страница 56