Баян в цивилизации и причины поселения
البيان في التمدن وأسباب العمران
Жанры
وكما أن التعليمات الأولية يجب أن تكون عامة لجميع الأهالي شاملة عموم الناس، ينبغي أن تكون أيضا الثانوية منتشرة بين الأمة وأبناء الأهالي القابلين لتعلمها وإتقانها، بخلاف العلوم العالية المعدة لأرباب السياسة والحكومة وأبناء الحل والعقد. فإنه ينبغي جعلها مقصورة على تلامذة وأناس مخصوصين مقيدين بقيود خاصة من الغنى والاعتبار لا يحصلها إلا ذوو اليسار من الناس الذين لا يضر تفرغهم للعلوم العالية وانقطاعهم إليها؛ إذ من العبث ومن الخطر أيضا تفرغ صاحب صنعة ينتفع منها الناس لطلب هذه العلوم المنوطة بأرباب السياسة والاعتبار، وتركه صنعته التي يتعيش منها رغبة في دخول دائرة معالي المعارف التي لا تصلح إلا لأهلها.
فينبغي للحكومة عدم الترخيص للتلامذة الذين درسوا العلوم الأولية والثانوية أن ينتظموا بسلك أرباب المعارف القصوى، إلا من فيه اللياقة لها. كما لا ينبغي حرمان التلامذة ذوي اللياقة من وظائف الحكومة الأهلية؛ إذ ليس من العدل أن تلميذا قضى ريعان شبابه في المدارس وصرف أكثر أيامه بطلب العلوم رغبة الاستخدام في الوظائف المحلية وأن يشارك بما انتفع به عموم الرعية، أن يقطع أمله منها ويحرم مما اكتسبه من العلوم بإبعاده عن أسباب الترقي بالخدمات الملكية، حتى يستولي عليه الأسف ويتضع شأنه بين الأقران وربما أهلكه القنوط، كما يستولي اليأس على غيره من التلامذة الذين لهم ميل لما تقدم ويرون ما حل برفيقهم فتبرد همتهم وتقل عزيمتهم، فينشأ حينئذ الإهمال وعدم رغبة التلاميذ لقنوطهم من اجتناء ثمرات متاعبهم.
ثم إنه متى استكمل التلميذ العلوم الابتدائية والتجهيزية وظهر ميله لخصوصيات تناسب حاله من الصناعة والفنون وغير ذلك مما يتحصل به على نتيجة حسنة، وجب على أهله تمكينه منها وإعانته على مرغوبه، إلا إذا كان مائلا نحو مطامعه الشهوانية فينبغي لهم زجره عنها ومنعه ما استطاعوا وإرشاده للوسائل المؤدية للسعادة والترقي.
هذا وليس من اللازم أن جميع المدارس المعدة لتعليم هذه العلوم أن تكون على نفقة الحكومة، بل إن المدارس التي تكون على نفقة الحكومة ومن خصائصها، هي المدارس الحربية والملكية. والحكومة تكون واسطة لتقوية جمعيات المعارف الخيرية في البلاد وتمد إليهم يد المساعدة مع ملاحظتهم فيما لا بد منه في بعض الأحيان، وعلى حسب استعداد الأهالي للأعمال الخيرية وميلهم للفنون والمعارف، يجب عليهم أن يبذلوا الجهد بإنشاء المدارس ونشر المعارف والعلوم.
كما ينبغي التدقيق بانتخاب المعلمين الماهرين بالعلوم المؤسسة عليها المدرسة المراد إنشاؤها، وأن يكون أولئك المعلمون متحصلين على شهادات تثبت معلوماتهم التامة بتلك الفنون التي تضمن حسن مستقبل التلامذة الراغبين في التعليم؛ فإن وظيفة المعلمين وظيفة مهمة تستدعي دقة النظر.
ثم يجب اختصاص كل عشرة أو عشرين تلميذا بمعلم واحد يقوم بتعليمهم، فإن ذلك أيسر للتعليم وأقرب لتهذيب التلاميذ وتأديبهم، بخلاف ما إذا كان كل مائة أو مائتين يتلقون العلوم عن معلم واحد أو اثنين؛ فإنها لا تتمكن منهم التربية كما ينبغي. بل إذا كان كل عشرة تلاميذ مثلا يقوم بتعليمهم واحد يشتغلون بجانبه أوفق، وعند تمام الدرس يحضر بهم إلى محل التدريس العام الذي يجتمع فيه سائر التلامذة لتلقي دروسهم، وينبغي للتلاميذ الإذعان لأوامر معلميهم وعدم مخالفتهم والنظر إليهم بعين التوقير والاحترام. كما يجب أن يكون المعلم لين العريكة يمزج الشدة باللين، مهذب الأخلاق حسن الخصال، متحليا بحلى الكمال، ليقتبس منه التلميذ السجايا الحميدة؛ إذ ربما يستفيد الغلام من الأستاذ ما لا يستفيده من أبيه من الخصال؛ لأن المعلم هو القائم بتربيته وتأديبه وتعليمه وتهذيبه.
ومن الأسباب المنشطة للتلاميذ رياضتهم في بعض الأوقات، وبإعطائهم الفرص المناسبة للسفر القريب بالسكك الحديدية أو سواها، وتنزههم في بعض الأحيان لتصفو أذهانهم وترتاح قواهم العقلية عقيب تعب الأعمال الفكرية، والتصريح لهم غب الدروس بالألعاب الخفيفة كالجملاستق التي تكون أدواتها معدة لهم في فسحات المدارس، وعند خروجهم في أوقات الفرص من محال التدريس تكون لهم على سبيل الرياضة والتمرين، ويستفيدون منها الرشاقة والنشاط والخفة بالحركات البدنية، فإن مدارس أوروبا عموما قل أن يخلو منها هذا الفن. وبالجملة، فإن الأمة التي تقبل على هذه العلوم والآداب المقدم ذكرها، ينتظم حالها ويعلو منار شأنها وتنبث فيها روح الحضارة والتقدم، واكتساب المعارف الجالبة لتمدن البلاد وحسن حال العباد.
الفصل الثاني
في الحث على طلب المعارف والتمتع بظلها الوارف
اعلم أن الله - سبحانه وتعالى - قد جعل في كل زمان أناسا ذوي دراية وذكاء يقومون بواجبات الأوطان، مجددين ما اندرس من معالم الفضل والعلوم، باذلين جميع ما في وسعهم لما به كسب حقائق حوادث المعارف البشرية، فيشاركون الناس بما اجتنته عقولهم من رياض الحكم والفضائل، ويخلدون بين الناس آثارا لا تزال تذكرهم بالثناء العاطر بما يتركونه من التآليف العظيمة والاختراعات النافعة العميمة التي يقوم بها أود البلاد وتزيد مصلحة العباد.
Неизвестная страница