فهو في المسرح صاحب عمل، وهو في الموسيقى صاحب رأي، وهو في سائر الفنون صاحب ذوق يسلكه بين «المستنفدين» الذين يحسنون الاختيار، ولا يرتقي به إلى طبقة المنتجين الخلاقين، وعمله في المسرح ورأيه في الموسيقى، وذوقه في سائر الفنون، حظ من أوفر الحظوظ التي يطمح إليها الفنان الناقد، وقليلا ما يجتمعان.
فلسفته
يدين «شو» بأن العقل هو وسيلتنا الوحيدة إلى فهم الحقائق والتفاهم عليها، ولكنه لا يدين بأن العقل وحده كاف لفهم جميع الحقائق؛ لأنه في رأيه قاصر عن فهم الحقائق الأبدية التي تتعلق بأصول الأشياء.
وفي رسائله التي جعل عنوانها «ست عشرة صورة ذاتية» يقول: «إن العقل يستطيع أن يبين لك خير طريق - طريق الحافلة أو الترام أو السرداب أو سيارة الأجرة - للوصول من پيكادللي إلى پوتني، ولكنه لا يستطيع أن يبين لك لماذا ينبغي أن تطلب الذهاب إلى پوتني بدلا من البقاء في پيكادللي.»
فالعقل يبين لك الطريق ولكنه لا يبين لك البواعث التي تحركك إلى ذلك الطريق ، أو بعبارة أخرى يبين لك الوسائل ولا يبين لك المبادئ والغايات.
ولم يشتهر شو بالفلسفة، في باب من أبوابها، بل اشتهر بكتابة المسرحيات والفصول الانتقادية اللاذعة، وبعض الأجوبة المستغربة التي يفضي بها حينا بعد حين إلى الذين يسألونه عن أمر من الأمور العامة، وقلما تخلو أجوبته هذه من السخرية والتقريع والولع بالمخالفة.
ولكنه في الواقع قد تناول مسائل الفلسفة بأجمعها، ومنها فلسفة «ما وراء الطبيعة» وفلسفة الاجتماع والأخلاق، وفلسفة السياسة وما يتصل بها من أنواع الحكومات والحكام.
تناول هذه المسائل في الحوار الذي يدور بين شخوص رواياته، كما تناولها في المقدمات المطولة التي يصدر بها تلك الروايات.
ولهذا يصعب استخراج مذهبه الفلسفي على التحقيق، أو يصعب تمييز ما يعتقده هو وما يلقيه على لسان شخص من شخوص الرواية، ويرد عليه بلسان شخص آخر.
فأسلوب الكلام وحده هو الذي يميز لنا اعتقاده بما يتخلله من التوكيد أو التسخيف، فإذا وافق هذا الكلام آراءه التي يشرحها في مقدماته تبين اعتقاده واعتقاد غيره، وأمكن الفصل بين أفكاره وسائر الأفكار التي يلقيها على ألسنة الشخوص الروائية في معرض المناقشة وتبادل الأفكار.
Неизвестная страница