وقال هارون: على مهلك يا أمي، ألا نعرف أولا إن كانت عائلة سعدون موافقة أم لا؟
قالت الأم: لا، من هذه الجهة لا يكن عندك فكر. طبعا موافقة.
وقال هارون: متى تستطيعان السفر إلى القاهرة؟
وقال الحاج حامد: إن شئت قمنا معك الآن.
وقال هارون: لا ليس إلى هذا الحد. نكلمهم أولا ونتفق على موعد.
وقال الحاج حامد: وهو كذلك. •••
إن للفتيات في سن حميدة ووجيدة حاسة سادسة يدركن بها أن هناك نظرة نافذة تحيط بهن، وتتعرف ما يحاولن أن يخفينه من أعماق نفوسهن.
وبهذه الحاسة لم يخف عن حميدة ووجيدة النظرات المتلصصة التي كان يختلسها هارون طوال فترة الغداء.
وأدركت حميدة أنها أقرب إلى اختياره من وجيدة: كانت نظراته إلي أكثر تعمقا. والله لا بأس به، ربما كان أكبر مني قليلا ولكنه مناسب على أيه حال، وأحسب أنني أستطيع أن أطمئن إلى حياتي وأنا زوجة له. وأنا - والحمد لله - لا أحب أحدا بذاته، وإن كان توفيق قريبنا الذي لا أعرف درجة قرابته لي يحاول أن يشعرني باهتمامه بي، إلا أنني لا أرتاح إليه. إنه لا يعرف شيئا عن مشاعر الحب التي يحاول أن يتخفى وراءها بالنظرات التي أحس فيها بالكذب، والكلمات التي أشعر فيها بالاصطناع الذي يفشل أن يخفيه.
وأحسب أن توفيق بلا مشاعر على الإطلاق. وأرى أيضا أن هارون بلا مشاعر على الإطلاق، ولكنه لا شك ذو عقل واع رصين تجربته أكبر من سنه بكثير. ثم هو ليس فقيرا فقر توفيق، فإن كان يفكر في مال أبي وأمي فليزيد هذا المال، فليس هناك ما يدعوه أن ينهبه. أما توفيق فشاب ما زال في نزق الشباب، وليس بعيدا حين يخلص هذا المال إلي بعد عمر طويل أن ينهبه توفيق لينفقه على ملذات الشباب، الأمر الذي لا أخشاه مطلقا من هارون؛ فواضح أن هارون كلف بالثروة ولوع بالغنى. ولا بأس على أن يكون زوجي، فأغلب الأمر أنه سيجعلني سعيدة في حياتي، وأنه سيجعل حياتي هذه بلا مشاكل على الإطلاق. وأنا أعرف نفسي وأعرف أنني أحب أن أحيا حياة راضية، وإن كنت أحب الأشياء النفيسة، فلا يستطيع أحد أن يلبي هذه الرغبات التي تزخر بها نفسي إلا رجل غني، وواضح أن هارون سيصبح ذلك الغني الذي يتمنى لنفسه أن يكونه.
Неизвестная страница