Современная риторика и арабский язык
البلاغة العصرية واللغة العربية
Жанры
وداء اللغة العربية في جميع الأقطار العربية هو داء الكلاسية الرجعية التليدة، وليس هذا الداء جديدا؛ فإننا نجد أثره مثلا حين نقرأ عن رفض إحدى قصائد «أبي نواس» وهو المجدد العظيم في مباراة أدبية - على ما نذكر - وكذلك لما دخل «جنكيز خان» بغداد ألغى كلمات التفخيم التقليدية وألح في وجوب التبسيط اللغوي. وهنا يقول ابن عرب في كتابه «فاكهة الخلفاء»: «فكان في المكاتبات ... لا يزيد على وضع اسمه ... من غير مجازات واستعارات ... وكذلك الأمراء والوزراء ... ولما فرغ من ترتيب هذه القواعد الملعونة وخرج بها على خلاف الشريعة الميمونة ...» إلخ ... إلخ.
فنحن هنا إزاء رجل مغولي دخل الأقطار العربية وليس له فيها تقاليد اجتماعية أو دينية أو أدبية، فعمد إلى تبسيط اللغة فلا حضرة ولا جناب كما يقول مؤلف «فاكهة الخلفاء» الذي يحنق إلى درجة أنه يجد في هذا التغيير في اللغة مخالفة «للشريعة الميمونة» أي: أنه لم يختلف هنا عما يقول الدكتور «زكي مبارك» حين ألف كتابه عن «اللغة والدين والتقاليد»، حيث يرى الارتباط بين الثلاثة وحيث يكره أشد ما يكره حرية المرأة حتى إنه ذكر أنها تستحق الضرب بالحذاء على رأسها وأن والده كان يفعل ذلك بزوجاته، وهو هنا ينساق فيما يتوهمه من تقاليد عربية.
وحين أسست الحكومة المصرية مدرسة «دار العلوم» وقصرت الملتحقين بها على المسلمين دون المسيحيين أو اليهود؛ إنما نظرت أيضا هذه النظرة؛ أي أنها رأت ارتباط اللغة بالدين والتقاليد فاللغة عند زكي مبارك وابن عرب والحكومة المصرية؛ ليست لغة الديمقراطية والأتومبيل والتليفزيون، بل هي لغة القرآن وتقاليد العرب، ولا بد أن ابن عرب يفرح ويطرب لو أنه بعث في عصرنا حين يجد أننا خالفنا «جنكيز خان» «الذي كان في المكاتب ... لا يزيد على وضع اسمه ... من غير مجازات واستعارات»؛ ذلك لأننا نقول الآن صاحب المعالي وصاحب السعادة ... إلخ ... إلخ.
وخلاصة القول أن الداء الأصيل في اللغة العربية هو الكلاسية التليدة، وهي لذلك لا تكتسب طريفا؛ لأنها قانعة بتليدها، وهذه حال يجب ألا نرضاها نحن ؛ لأنها تحول دون أن نكون أمة عصرية. وصاحب المعالي وصاحب السعادة وضرب المرأة بالحذاء على رأسها؛ لن ينجينا من مثل (جنكيز خان) بأسلوبه العصري، ويستطيع القارئ الذكي أن يرد هنا بأنه عندما يتغير الوسط الاقتصادي يتغير الوسط الاجتماعي؛ أي عندما نصير أمة صناعية؛ لا بد أن تتغير اللغة وتقبل الطريف.
وهذا صواب، ولكن قبل ذلك يجب أن نعرف لماذا نكره إلغاء الإعراب وتبسيط التعبير (فأر شكسبير) واصطناع اللغة العامية؛ كي نعبر الهوة التي تفصل بين الأدب والشعب واتخاذ الخط اللاتيني، وأيضا حرية المرأة.
الفصل السادس عشر
الإيحاء الاجتماعي للكلمة
في 1870 كانت فرنسا يتسلط عليها الإمبراطور نابليون، وكان مفكروها يكرهون النظام الإمبراطوري ويطلبون إلغاء العرش وإعادة الجمهورية، فكان مما كتبه الأديب الكبير فلوبير قوله: إن الشعب الفرنسي يتعلق بالإمبراطورية؛ لأنه مخدوع باسم نابليون؛ أي أن اسم نابليون الأول قد ترك في التاريخ رنينا ودويا كانا لا يزالان يجدان الصدى في النفس الفرنسية؛ ولذلك فإن كلمة «نابليون» كانت توحي إلى الشعب حبا وتعليقا في غير مكانهما؛ لأن نابليون الثالث لم يكن يستحقهما سنة 1870.
وفلوبير على حق؛ فإن للكلمات إيحاء سياسيا أو اجتماعيا أو دينيا، فما هو أن ننطق بالكلمة أو تخطر هي ببالنا حتى تنطلق طائفة من العواطف تحرك إرادتنا وتعين سلوكنا وتفكيرنا، وقد سبق أن قلنا: إن كلمات الدم والانتقام والثأر تحدث ثلاثمائة جناية في الصعيد كما أن كلمتي شرق وشرقيين تحدث بين بعضنا صدودا عن الحضارة العصرية كأننا في حرب مع الأوروبيين وإن هذا الصدود يؤذينا في تطورنا ولا يزال عندنا من الكلمات والعبارات ما يوحي إلينا إيحاء سيئا يتعارض مع الروح الديمقراطي الذي نرجو أن نعممه في المجتمع والحكومة والعائلة ومن ذلك مثلا قولنا «أبناء البيوتات» أو «حرم فلان» أو «أم فلان».
ولكل كلمة إيحاؤها الذي يقوى أو يضعف وكثيرا ما ينعدم التفكير؛ لانعدام الكلمة، فإن المبشرين الذين عاشوا بين القبائل البدائية أو المتوحشة في أفريقيا السوداء كانوا يجدون مشقة عظيمة بل أحيانا استحالة في شرح الديانة المسيحية؛ لأن لغة هذه القبائل لم تكن تحتوي كلمات تدل على الله أو الجنة أو جهنم أو النعمة أو المجد أو الصدق.
Неизвестная страница