Современная риторика и арабский язык
البلاغة العصرية واللغة العربية
Жанры
نتجاذب أطراف الحديث بدلا من «نتحدث».
وقل منا من يقول: الحرب الضروس أو الموت الزؤام، ولكن العبارات السابقة التي ذكرت لا تزال ترى كل يوم في جرائدنا على الرغم مما فيها من استعارات ومجازات يمكن أن نستغني عنها بل على الرغم من أنها كلمات تحتاج إلى مجهود كبير لتفسيرها لصبياننا مثل: وطيس، أوزار، أواصر، جام، رحى.
وفي استغنائنا عن هذه العبارات اقتصاد ذهني ومادي، ويجب ألا يفهم القارئ أننا نعارض الاستعارة كائنة ما كانت، ولكنا نعارضها حين يمكن الاستغناء عنها فيكون الاقتصاد الذهني والمادي كما يتضح من الأمثلة التي ذكرنا، إذ ألغيناها جميعا ولم ينقص المعنى، وأيضا حين تعكس لنا مجتمعنا؛ فإن كلمات الوطيس والجام والرحى لا تتصل بمجتمعنا العصري كما كانت تتصل بمجتمع العباسيين. وأولى من هذه الكلمات كلماتنا العصرية مثل: قطار، أو موطر، أو تليفون الخ.
الفصل الرابع عشر
المجتمع العربي القديم
خدمت اللغة العربية مجتمعين عربيين: أولهما المجتمع البدائي حين كان العرب قبائل يرحلون وينتجعون، وقد ورثنا نحن من هذا الطور آلاف الكلمات عن الصحاري والإبل والخيل والغزو والخيام، ولكنا لم نرث شيئا من هذا الطور يتعلق بالزراعة أو الصناعة أو الحكومة، ثم خدمت اللغة مجتمعا عربيا آخر هو المجتمع الحضري، وإذا قلنا «المجتمع الحضري» فإننا نعني مجتمع بغداد؛ لأنها كانت بؤرة الثقافة العربية نحو أربعة قرون، وكانت مدن مصر وسوريا والمغرب والأندلس والحجاز تستوحيها وتستمد منها.
والمجتمع البدائي الأول لا نكاد ننتفع بتراثه اللغوي، أما المجتمع الحضري الثاني فهو رأس المال الذي نستغله ونرجع إليه ونستمد منه، ولغتنا ما زالت هي لغته بكلماتها ومعانيها مع تغيير قليل في المعاني وزيادات في بعض الكلمات. وقد خدمت اللغة هذا المجتمع الخدمة الصادقة ولهذا السبب نفسه؛ أي لصدق الخدمة التي قامت بها اللغة للمجتمع العربي أيام الأمويين والعباسيين والأتراك قد حملت كلماتها إلينا جوا غريبا عنا، ونحن نشعر بهذه الغرابة حين نحاول وصف مجتمعنا ونبحث عن الكلمة «الجوية» التي تؤدي معنى نحتاج إليه في السوق والبورصة والمكتب والمصنع والمداولات السياسية والحقوق المدنية والعلوم المادية، إلخ. وحملت إلينا عادات ذهنية ما زلنا نستضر بها؛ لأنها لم تعد تتفق وحياتنا العصرية وإليك شرحا موجزا.
كان المجتمع العربي أرستقراطيا يعيش بكد العامل أو بكد العبيد كما كان الشأن في أوروبا مدة القرون الوسطى، وكان لذلك يحتقر العمل اليدوي، وكانت الطبقة المتوسطة معدومة؛ ولذلك لا نستغرب اقتراح أحد الأدباء مدة العباسيين ألا يباع الورد للسوقة؛ لأن هذا الزهر أجل من أن تتناوله يد العامل الخسيس ولا نستغرب أيضا أن يكون أوفى الكتب الأدبية التي نعتمد عليها في تفهم المجتمع العربي القديم هو كتاب «الأغاني»، وفصوله هي مجالس الأثرياء والخلفاء مع المغنيين والمغنيات واسم الكتاب وموضوعه يدلان على أرستقراطية الأدب الذي نشأ لخدمة المجتمع العربي الأرستقراطي، ثم أرستقراطية اللغة التي تعبر عنه.
ومجتمعنا الآن ديمقراطي أو نحن نحاول أن نجعله كذلك وننشد الديمقراطية في الحكومة والعائلة والمدرسة، ولكن التراث اللغوي الأرستقراطي الذي ورثنا من العباسيين لا يساعدنا على ذلك.
ثم كان هذا المجتمع حربيا فإن الصراع بين الدولة الرومانية والدولة العربية؛ أحال اللغة إلى خدمة الحرب؛ فزكت الخطابة والشعر خطابة الحرب وشعر الحرب وكثرت كلمات العاطفة والانفعال (الكلمات الذاتية)؛ لأن المجتمع العربي كان معسكرا يحتاج رجاله إلى ما يملأ قلوبهم حماسة وقد ورثنا هذا التراث مع أن مجتمعنا سلمي يحتاج إلى كلمات السلم وليس إلى كلمات الحرب.
Неизвестная страница