Современная риторика и арабский язык
البلاغة العصرية واللغة العربية
Жанры
انظر مثلا إلى قول أحدنا: هذا الصبي ذكي.
فإن وصف الذكاء هنا قد يكون ذاتيا؛ لأن المتكلم ربما وصفه بذلك؛ لأنه استخف ظله، أو لأن هذا الصبي قد خدمه، أو لأن المتكلم نفسه ليس ذكيا فكلمة «ذكي» هنا ذاتية، ولكن السيكولوجيين استطاعوا أن يجعلوا هذا المعنى موضوعيا؛ فهم يقولون: «هذا الصبي يبلغ معدل ذكائه 107»، وذلك بعد قياس مضبوط.
وكلمات الشرف، والثقافة، والغباوة، والفاقة، والثراء، والعدل، والشجاعة، والجمال، والقناعة، والتكبر، والغضب، والتسامح؛ كلها، كلمات ذاتية تعبر عن انفعالاتنا الشخصية أو ظروفنا البيئية ولا تعبر عن حقائق موضوعية مثل: الكرسي أو الشارع، والتفكير السديد ينقلنا أو يحاول أن ينقلنا من النظر الذاتي للأشياء إلى النظر الموضوعي ومن الوصف المائع العام إلى الوصف بالأرقام كما رأينا في معدل الذكاء في السيكولوجية وكثير من الفهم السيئ للفلسفة القديمة، وما يلحق بها من أدب، ودين يرجع إلى أنها عالجت شئون الدنيا بكلمات ذاتية قد اختلفت معانيها بعد مرور ألف أو ألفي سنة.
وقد ارتقت الأمم بكلمات ذاتية مثل: مروءة، وشرف، وشهامة، وحياء، وأنفة. كما انحطت بكلمات ذاتية أخرى مثل: شماتة، وكفر، ونجاسة. ولكن إذا صرفنا النظر عن الارتقاء والانحطاط فإننا نجد أن الكلمات الذاتية كثيرا ما تبعث على الالتباس والفهم السيئ، ومن هنا الاختلاف الدائم في الدين، والفلسفة، والآداب والفنون، والاتفاق التام في العلم؛ لأن كلمات العلم موضوعية، ولذلك أسلوب التفكير فيه موضوعي.
الفصل الثاني عشر
إحدى الكلمات
لغتنا تستوي وسائر اللغات العصرية في نقص التعبير عن المعاني الذاتية. وهذا النقص سوف يبقى - كما قلنا - إلى أن نهتدي نحن وسائر الأمم إلى اللغة العلمية أي: اللغة التي تنقل المعنى من «الذاتية» إلى «الموضوعية».
بدلا من أن نقول: هذا الصبي ذكي نقول: يبلغ ذكاء هذا الصبي 115.
وبدلا من أن نقول كان يوم أمس حارا مرهقا نقول: بلغت الدرجة المئوية للحرارة أمس 39.
وقد سبق أن قلنا أيضا: إن العلم لا تنضبط قواعده إلا إذا عبر عنه بالأرقام. وقد يتساءل القارئ في أسف واكتئاب: أي دنيا هذه التي يعيش فيها الناس بلغة الأرقام؟
Неизвестная страница