Современная риторика и арабский язык
البلاغة العصرية واللغة العربية
Жанры
واللغة في تفاعل لا ينقطع مع المجتمع الذي ينطق أفراده بها. والقيم اللغوية في تغير دائم لهذا السبب، والمحاولة لوقف هذا التغير، هي تعطيل للتطور الذهني للأمة.
ومن الغايات الشريفة لكل لغة: الاقتصاد في التعبير فاللغة الحسنة تتوخى المترادفات؛ لأنها ثرثرة صبيانية يضيع بها الوقت، والكاتب الذكي يحيل المترادفات من التوحيد إلى التنويع فنحن نميز الآن بين الذهن والعقل، وبين الروح والنفس، وبين الحكومة والدولة، وبين المثقف والمتعلم، وهذا حسن. كذلك نحن نتبع الأسلوب التلغرافي، ونتخير الكلمة التي تحمل العبرة فضلا عن المعنى .
وهذا الكتاب قد توخيت فيه بحث بعض مشكلاتنا اللغوية مع تعيين الأهداف التي نرمي إليها من اللغة، وأرجو أن أبعث به المناقشة عن القيم اللغوية العربية، ووجوه الإصلاح فيها بالبناء والهدم فنحن أمة متطورة، فيجب أن تكون لنا لغة متطورة، بل لغة متمدنة تتسع للتعبير عن نحو مائة وعشرين علما وفنا لم يكن يعرفها العرب الذين ورثنا عنهم لغتنا، ويجب أن يتغير رأينا في البلاغة عما ألفوه؛ فأنهم كانوا يقصدون منها إلى أنها فن لمخاطبة العواطف، ولكنا يجب أن نزيد على هذه الغاية غاية أخرى، هي أن تكون البلاغة علما يراد به مخاطبة العقل؛ لأننا نعرف أن الحضارة التي نعيش في أحضانها قامت على الأرقام الهندية التي تخاطب العقل في دقة وبساطة أكثر مما قامت على الاستعارات، والمجازات التي تخاطب العاطفة في إغراق ومترادفات.
وكلمات اللغة هي بمثابة النقود التي نتعامل بها، وكثيرا ما يكون فيها النقد الزائف، أو القديم الذي بلي وانمسح منه نقشه، والأمة التي تهمل كلماتها ولا تجددها ولا تسك الكلمات الجديدة؛ هي أخسر من الأمة التي تجيز التداول للنقد الزائف؛ لأننا نشتري بنقود المعدن أو الورق حاجات الجسم ولكنا نشتري بالكلمات حاجات الذهن والروح والأخلاق والرقي.
الفصل الأول
اللغة والتطور البشري
هناك أسباب كثيرة لتطور الإنسان الذي وصل به إلى السيادة على سائر الحيوان؛ فإن ضخامة دماغه قد أعدته للتفكير السديد، ثم قامته المنتصبة قد حررت يديه؛ فجعلته يحمل الآلات، ومن ثم صار تفاعل بين العقل واليد، الأول يتخيل ويخترع، والثانية تتناول وتنفذ. ثم هناك العينان في الوجه، وليس في الصدغين كما في سائر الحيوان، فإنهما تشرفان على مجال فسيح يجمع بين أشياء كثيرة، ويجعل العقل قادرا على المقارنة والتمييز.
ولو كان دماغ الإنسان صغيرا لما قدر على التفكير، ولو كانت يداه على الأرض يمشي بهما لما قدر على تناول الآلات والأشياء؛ ولو كان اعتماده على الشم بدلا من النظر؛ لصغر المجال الذي يشرف منه على الوسط، فما كان عندئذ يجد المادة للتفكير الجامع التعميمي.
فالدماغ واليد والعين كلها تجمعت وتعاونت لرفع الإنسان فوق الحيوان، ولكن هناك عاملا آخر كثيرا ما يهمل هو: «اللغة» فإن الإنسان - قبل كل شيء - حيوان لغوي، وللحيوان صوت ولكن للإنسان لغة، وفرق عظيم بين الاثنين؛ فإن الحيوان عندما يتألم أو يخاف يصرخ، والصراخ هنا ذاتي يعبر عن إحساسه، ولكن الإنسان عندما يصرخ، والصراخ هنا ذاتي يعبر عن إحساسه، ولكن الإنسان عندما يتألم أو يخاف ينادي فهو هنا موضوعي قد نقل إحساسه إلى غيره من زملائه، ومع هذا لا يزال حتى الصراخ غير عام بين الحيوان وقت الخوف أو الألم، فإن السباع وحدها هي التي تصرخ، كما نرى في القطط والكلب والأسد، أما البهائم مثل البقر أو الحمير أو الخراف فلا تصرخ عندما تتألم أو تخاف.
ولكن يجب ألا ننسى إن الصراخ ذاتي، أما النداء فموضوعي، الأول عاطفة كله والثاني عاطفة وعقل. الأول حركة عقيمة لا تتحيز غير مكانها، أما الثاني فدعوة إلى المجتمع.
Неизвестная страница