Бакаийят
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
Жанры
ليس عجيبا أن أجد صبيا مثلك يسحره نور الشمس الطالع، ويواجه قوة هذا العنصر السيال بالعزف والغناء. شيقة وممتعة هذه الأرض، يبدو أن عقلي الباحث عن كل جديد لن يشبع من أرضها، وسمائها، ونباتها، وأحجارها. الأبدي فعال في كل مكان، خصوصا في هذا الجزء من العالم. لكن بالله عليك: أين أنا الآن؟
هتف الصبي فرحا: في الشرق، الشرق الطهور.
وضع السيد يده على ذقنه، وقال: نعم، نعم. لا بد أن تكون هذه قطعة من الشرق، ثم مضى يردد بصوت هادئ يخرج من صدره ليعود إليه وينفذ فيه: لله المشرق، لله المغرب، الأرض شمالا، والأرض جنوبا، ترقد آمنة، ما بين يديه، أهي بلاد شقيقي، توءم روحي في المشرق؟
صاح الصبي: حافظ؟ لا، بل أرض المتنبي، وجميل بثنية، وكثير عزة.
تعجب السيد، وأخذ يتلفت حوله، ويتطلع إلى الشمس البازغة في الأفق كأنه يريد أن يشدها إلى صدره: حقا، ليتني عرفت عنهم أكثر مما عرفت، لكني هاجرت بروحي الشرق، جددت شيخوختي وشعري بالحب والغناء، وتطهرت من نبع الحضر، وحومت قصائدي حول أبواب الفردوس، هذا الدفء، هذه الشمس، لنبتهج يا ولدي بيومنا العابر الجميل.
كان الحديث ودفء الشمس قد ساقهما إلى التجول على الشاطئ. وكانا قد وقفا تحت الصخرة يتطلعان للأفق، ويجوسان على الرمل والحصى. ويملآن صدرهما بنسيم الفجر النقي. لم يرفع السيد رأسه إلى الصخرة إلا عندما غلبني الألم على بهجة الاستماع إليه، فخرجت منه الآه. حانت منه التفاتة إلى الصبي، ونظر إلى أعلى وصاح: ويلك! من هذا المسكين على الصخرة؟ هل تتكرر في هذا الجزء من العالم مأساة اللص الأعظم؟ شاركه الصبي في التطلع نحوي، غام الأسى في عينيه وعلى خديه وأطرق برأسه. صاح السيد غاضبا: هل يصنعون هذا بكل الثائرين؟ أيبعثون المأساة القديمة في كل مكان؟ هذه الصورة القديمة من أيام شبابي. لقد نسيتها، وانتصرت عليها. ألا أستريح حيا ولا ميتا؟
رفع ذراعه وأشار إلي: أنت! من قيدك إلى الصخرة؟ أنت؟
صحت من الألم: مشنوق تتدلى رأسي في بستان المشنوقين. ربطوا ساقي في الصخرة. - من؟ - ستة جلادين، والنسر الأسود فتت كبدي، مزق لحمي كالمجنون. - ومركور؟ هل بعثوه إليك لتخضع للطين؟ وترد النار إلى الآلهة الموتورين، لا تفعل أبدا. - ماذا تقصد يا مولاي؟ - إن البشر ضعاف يحتاجون لمن يخلقهم ويسويهم، ينفخ فيهم سر الكلمة، سر النار ويهتف فيهم: كن فيكون. من يفعل هذا غير الشاعر، من يبعثهم، يهدي الخلد إلى الفانين؟ لست وحيدا فوق الصخرة، فعلوا هذا بألوف قبلي، وألوف بعدي، أنا من نسل بروميثيوس المسكين. لما كنت شبابا مثلك. - قد جاوزت الخمسين. - لا تيأس، فاليأس مهين، والروح المبدع يهزم سيف الزمن المسنون. في ريعان شبابي كنت رسول النار إلى الطين، عشت وغنيت وصغت بمطرقتي: ثوارا، أبطالا، فنانين، ورجالا لا ينهزمون ولا يقعون على أقدام الجلادين، يثقفون بأنفسهم، يتحدون، يحبون؛ فالقلم الخالق يكتب ويعبر عن خلاق في الصدر دفين، فاخلق يا ولدي. - جف معين الخلق ، ويئست نفسي. - غامر واستغن بيومك عن أمس. - تعبت، تعبت. وعشت وحيدا أحمل بؤسي. - أنا أيضا جربت الوحدة والصمت، لكني عشت وأحببت وأبدعت، فقهرت الموت. - كيف؟ أجبني. - مت لتكون! بذلك تقهر موتك. ضح بنفسك كي ينشأ كل أرقى منك. فالقطرة تجد نفسها عندما تنعدم وتصبح لؤلؤة، والفراشة تجد نفسها عندما تحترق في لهب الشمعة، غن معي يا ولدي:
وإذا لم تصغ للصوت القديم،
داعيا إياك مت كيما تكون؛
Неизвестная страница