Бакаийят
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
Жанры
8
مسجلة. والنتيجة ملايين اللاجئين والمشردين ، والأدعياء والمتبجحين، العاطلين والمتسولين، والخطر المحدق بملايين أخرى.
والخطر المحدق أن نصبح «كغثاء السيل» أن تنقرض حضارتنا، ونصبح تاريخا فات، حقل تجارب للأمم الأقوى، مثل خيام وعقالات وعيون جائعة وبقايا آبار النفط، هل عرب أنتم؟ هل عرب أنتم؟ هل عرب ...؟
9
أعرف أنني أبالغ وأسرف في المبالغة. إن شبح الانقراض - الذي خيم علي سنين طويلة، وجسمته أمامي قراءات طويلة في فلسفة التاريخ - ربما يكون قد بدأ يتهكم علي. ولقد عشت - بحمد الله - حتى رأيت مواجهة الصمود في أكتوبر/رمضان، ولمست أبواب الحرية وهي توارب، والأصوات تردد شعار العلم والإيمان (ولا بد من الصبر والعمل المشترك، حتى يصبح سلوكا حيا لا مجرد شعار). لماذا أستطرد؟ ألأجد تبريرا؟ ألأفضح ضعفي وعجزي أنا وجيلي؟ ألأقول للمواهب الشابة: ثابروا على الأعمال الكبيرة، اصمدوا لمعرفة الذات، فمعرفتها والصبر على اكتشافها والدفاع عنها في وجه كل ما يشتتها هو العبقرية نفسها، ومن أنا حتى أقول هذا أو أدعو إليه؟ كيف يعطي الشيء فاقده؟ هل يشاركني أحد في ألمي؟ هل يحس به؟ أهو اعتراف؟ ولمن؟ ولماذا أعلنه في هذا المكان؟ ألم يكن من الممكن أن أستغل كرم هذه المجلة في شيء أنفع، وقد سبق لها أن أكرمتني ورعت بعض بذوري الفقيرة التي أقلب الآن حصادها الفقير؟ هل أعدتني البطولة «التي يدعيها الكاتب حين يرتدي مسوح النبي والكاهن والمعلم والرائد»؟ أم أصابني - دون أن أدري - المرض الذي حذرت منه كثيرا، حين تكلمت عن التواضع والاعتدال، حين جعلت مثلي الأعلى ذلك «البطل» الصيني المسكين، ذلك الحكيم الطاوي الذي حارب معركته، وحقق انتصاره، ثم استقل مركبا خفيا وتوارى عن الأنظار، أنظار الذين وعدوه بنصف المملكة هدية وانتظروا للاحتفال به؟ رب لم هذا التناقض كله؟ هل آن أن أخلص نفسي من هذه المناجاة وأعبر بالصورة لغة الفن؟ أم يمنعني أكل العيش وضعف الحيلة؟ أنتم يا من ستظهرون بعد الطوفان الذي غرقنا فيه، فكروا عندما تتحدثون عن ضعفنا، في الزمن الأسود الذي نجوتم منه، وإذا رأيتمونا نبكي، فاذكرونا، وسامحونا.
10 «الضعيف هو الغبي الذي لا يعرف سر قوته، وأنا لا أحب الأغبياء.»
11
هنا أجد نفسي أمام عمل يكشف لي اليوم - وبعد كتابته بحوالي عشرين سنة - عن معان وإيحاءات جديدة. شأنه شأن كل فن عظيم، أجد نفسي أمام فنان لم يكف عن التجربة والريادة والمغامرة، هو بالنسبة لي (وربما لكثير من جيلي، وإن كنت لا أحب التعميم ولا التورط في الكلام نيابة عن أحد) منارة شامخة ترسل ضوءها الهادئ لسفينة المصير العربية، ولقوارب المواهب الصغيرة التي تتلمس طريقها في الظلمات. هذا رجل عرف نفسه، سر قوته. كجبل المقطم بقي صامدا يطل - بحبه وحزنه الجليل - على المدينة العتيقة المضطربة بالفقراء والمقهورين والمتسولين والفتوات. كتب ما كتب ليمحق الفقر والقذارة والتسول والطغيان؛ لتختفي الحشرات والذباب والنبابيت. وبشرنا بالسحر، العلم ليخلصنا من قهر الفتوات وكذبهم. الفتوات في كل مكان، فهل آن أن يختفوا؟ ومن الزيف والبطش والدجل، وهو في حكايات الرباب كما هو في دعاوى المتبجحين وبلاغيات الهتافين، حتى كدنا نحن العرب أن نصبح ألفاظا تمشي وتأكل وتنام. هل نقرأ هذا العمل من جديد؟ وهل نأمل أن نحاول قراءته بعيدا عن التشنج والخوف؟ هل ندرك الآن أنه كان رؤية بصيرة لتصحيح الثورة، ومحاولة للمزج بين العقل والوجدان أو بين العلم والإيمان، الذي أصبح الآن كلمة على كل لسان؟ هل نطمع في قدر كاف من الحرية الظاهرة والباطلة التي تسمح للأديب بتناول مادته من التاريخ الديني أو الأسطوري، فيتصرف فيها كما يشاء له فنه وضميره (والفنان الحق ضمير العالم، ميزان التاريخ)، مثلما يحدث في كل بلاد الله، فلا يرفع أصبع اتهام، ولا يجمح قلم، ولا يتطاول لسان ثرثار؟
1977م، العيد الفضي لمجلة الآداب البيروتية
الدمعة الثانية: لمن أتحدث يا نفسي اليوم؟
Неизвестная страница