من العلماء بالله وأوليائه. نقل عن الصالحين أنّ الله تعالى لَمَّا أنزل على سيد العالمين ﷺ قوله تعالى: (كهيعص) قال جبريل ﵇: (ك) قال النبي- اللهم صلى عليه-: عرفت قال جبريل ﵇: (هـ)، قال: - اللهم صلى عليه وآله- عرفت، قال جبريل: (ى)، قال: عرفت، قال: جبريل: (ع) قال: عرفت، قال جبريل: (ص)، قال النبي:
عرفت، قال جبريل: عرفت وأنا لم أعرف، سبحان من أعطاك. ومن هنا فهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه وحده مقالة الرسول- ﵊ حين نظر إليه، وقال: (أتذكر يوم لا يوم)؟ فقال نعم، ولم يفهمها غيره من الصحابة الحاضرين. ولما سئل الصديق رضى الله عنه عن ذلك، قال: «إنه يوم الميثاق» .
ولا عجب فيما ينكشف لأرباب الإشارات من فيوض فى قرآن الله، أو حديث رسوله- ﷺ، فمازال المفسرون يتجدد لهم فى كلام الله كل يوم معان لم تسبق، لا ينكرها الناس، بل إليها يستريحون، ففيم الإنكار على أرباب الإشارات، وهم عن الله مشاهدون، ولهم منازلات ومقامات، فيتكلمون بما يشاهدون فى منازلاتهم، وينطقون عما يرون فى مقاماتهم؟
أجل: معذور من ينكر عليهم، لأنه لم يذق ما ذاقوا، فلو ذاق لعرف، وينبغى ألا يغيب عنه أن تلك الإشارات بمثابة اصطلاح يفهمه أهل التحقيق، ولا يجدر أن يعارضهم فى اصطلاحهم اصطلاح جماعة أخرى مادام لكلّ اصطلاحه.
فالحق أن كلام الله نور يرسل إلى القلوب، وهى أوعية يتلون ذلك النور بلونها.. وكلّ يرسل بتفسيره شعاعا حسب استعداده وقابليته وما استودع فيه.
على أن أهل التحقيق لا يدعون أنه محال على غيرهم ما يفاض به عليهم، ولكنهم يعتقدون أن كل إنسان لديه الاستعداد لما عندهم، غير أنهم فتحوا عيون قلوبهم، فاطلعوا على ما اطلعوا من أسرار، وغيرهم فتحوا نوافذ تفكيرهم فوقعوا فى الحيرة والوهم، وقاسوا بعقولهم مذاقات تلك القلوب فأنكروها، ولو أن عيون قلوبهم كأهل الله، لكان ما استغربوه أمرا عاديا، بل لاعتقدوا اعتقادا جازما ما أنكروه.
فليع كلّ ذى لب قدر هؤلاء الصفوة من أهل التحقيق، وليدرك أنهم ملهمون إن نطقوا فلا ينطقون بأنفسهم، وإن أشاروا فمحرّك الإشارة فيهم مولاهم. وارجع إلى الصدر الأول من عصر المسلمين الزاهر، تجد أن من أئمة هؤلاء الملهمين سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، والذي قال فيه رسول الله- ﷺ: «إن من أمتى مكلمين ومحدثين، وإن عمر منهم» .
ومنهم الإمام عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه، الذي أشار إلى صدره بعد أن تأوه مرتين، ثم قال: «إن هاهنا علوما جمة.. لو وجدت لها حملة!!» . ويروى عنه أنه قال: (لو شئت لأوقرت من تفسير الفاتحة سبعين بعيرا)، أولئك هم
1 / 11