101

Бахр Мадид

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

Исследователь

أحمد عبد الله القرشي رسلان

Издатель

الدكتور حسن عباس زكي

Номер издания

١٤١٩ هـ

Место издания

القاهرة

Жанры

тафсир
يقول الحق ﷻ: واذكروا أيضًا حين واعَدْنا مُوسى أن يصوم أَرْبَعِينَ لَيْلَةً بأيامها متواصلة، وذلك حين طلبتم منه أن ينزل عليه الكتاب فيه بيان الأحكام، ثم لما صامها، وهي: ذو القعدة وعشر ذي الحجة، وأتى إلى المناجاة، كفرتم، واتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ الذي صاغه السامِريُّ من الحُليّ، الذي أخذته نساء بني إسرائيل من القبط عارية، ففرّوا به ظنًّا منهم أنه حلال، فقال لهم هارون ﵇: لا يحل لكم، فطرحوه في حفرة، فصاغ منه السامري صورة العجل، وألقى في جوفه قبضة أخذها من تحت حافر فرس جبريل ﵇ حين عبر معهم البحر، فجعل يخور، فقال السامري: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ في عبادته، ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ بالتوبة وقتل النفس على ما يأتي، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، فلا تعصون بنعمة، وَاذكروا أيضًا إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ الذي طلبتم، وهو التوراة، وهو الْفُرْقانَ الذي فرقنا فيه بين الحق والباطل، كي تهتدوا إلى الصواب فتنجوا من العذاب. الإشارة: ما زالت الأشياخ والأولياء الأقدمون ينتحلون طريق سيدنا موسى ﵇ في استعمال هذه الأربعين، ينفردون فيها إلى مولاهم، مؤانسة ومناجاة، وفي ذلك يقول ابن الفارض رضى الله عنه: وصِرْتُ مُوسَى زَمَاني ... مذ صارَ بَعْضِيَ كُلِّي وقال: صارتْ جِبالِيَ دكًا ... مِنْ هَيْبَةِ المُتَجَلِّي فيفارقون عشائرهم وأصحابهم في مناجاة الحبيب، والمؤانسة بالقريب، فمن أصحابهم مَن يبقى على عهده في حال غيبة شيخه، من المجاهدة والمشاهدة، ومنهم مَن تسرقه العاجلة فيرجع إلى عبادة عجل حظه وهواه فيظلم نفسه بمتابعة دنياه، فإن بادر بالتوبة والإقلاع، ورجع إلى حضرة شيخه بالاستماع والاتباع، وقع عنه العفو والغفران، ورجا ما كان يؤمله من المشاهدة والعيان، وإلا باء بالعقوبة والخسران، وكل مَن اعتزل عن الأحباب والعشائر والأصحاب، طالبًا جمع قلبه، ورضى ربه، فلا بد أن ترد عليه أسرار ربانية ومواهب لدنية، من لدن حكيم عليم، يظهر بها الحق، ويدفع بها الباطل، فيفرق بين الحق والباطل. والله تعالى أعلم. ثم ذكر الحق تعالى كيفية توبة من عبد العجل منهم، فقال: [سورة البقرة (٢): آية ٥٤] وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤) قلت: البارئ هو: المقدر للأشياء والمظهر لها.

1 / 106