Бахр ал-Улум
بحر العلوم
جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ
يعني في بني إسرائيل، فكان فيهم أربعة آلاف نبي- ﵈ ثم قال:
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا يعني: بعد العبودية لفرعون. قال ابن عباس: إن الرجل إذا لم يدخل عليه أحد في بيته إلا بإذنه فهو ملك. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا أي جعل لكم أزواجًا وخدمًا وبيوتًا وبنين. ويقال: من استغنى عن غيره فهو ملك. وهذا كما قال النبي ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ وَلَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» ثم قال: وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ يعني أعطاكم ما لم يعط أحدًا من الخلق، وهو: المن والسلوى والغمام وغير ذلك.
ثم قال ﷿: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ يعني المطهرة، والمقدسة في اللغة هو المكان الذي يتطهر فيه، فتأويله البيت الذي يتطهر فيه الإنسان من الذنوب. ثم قال: الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يعني التي أمركم الله أن تدخلوها. ويقال: التي وعد لإبراهيم أن يكون ذلك له ولذريته، وذلك أن الله وعد لإبراهيم أن يكون له مقدار ما يمد بصره فصار ذلك ميراثًا منه حين خرج إبراهيم- ﵇ فقال له جبريل: انظر يا إبراهيم. فنظر فقال: يعطي الله تعالى لك ولذريتك مقدار مد بصرك من الملك. وهي أرض فلسطين وأردن وما حولهما. فقال موسى لقومه: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يعني التي جعل لأبيكم إبراهيم- ﵇ ولكم ميراث منه وقال القتبي: أصل الكتاب ما كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ، ثم يتفرع منه المعاني. ويقال: كتب يعني قضى كما قال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا [التوبة: ٥١] ويقال: كتب أي فرض كما قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ أي فرض ويقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ أي جعل كما قال: فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ويقال: كتب أي أمر. كما قال: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يعني أمر الله لكم بدخولها. قال: ويقال كتب هاهنا بمعنى جعل. ثم قال تعالى: وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ يعني لا ترجعوا عما أمرتم به من الدخول فَتَنْقَلِبُوا أي فتصيروا خاسِرِينَ بفوات الدرجات ووجوب الدركات، أي مغبونين في العقوبة، فبعث موسى- ﵇ اثني عشر رجلًا من كل سبط رجلًا يأتيهم بخبر الجبارين، فلما أتوهم لقيهم بعض أصحاب تلك المدينة جاءوا وأخذوا أصحاب موسى، فجعل كل رجل رجلين من أصحاب موسى- ﵇ في كمه، حتى جاءوا بهم إلى الملك. ويقال: لقيهم رجل واحد اسمه «عوج»، فاحتملهم في ثوبه وأتى بهم حتى ألقاهم بين يدي الملك فنظر إليهم وقال: هؤلاء يريدون أن يأخذوا مدينتنا. فأراد قتلهم فقالت امرأته:
أيش تصنع بقتل هؤلاء الضعفاء؟ ويكفيهم ما رأوا من أمر القوم وأمر هذه البلدة. فأنعِم عليهم ودعهم حتى يرجعوا ويذهبوا إلى موسى وقومه بالخبر، فأرسلهم الملك وأعطاهم عنقودًا من العنب فحملوه على عمودين، فرجعوا إلى موسى- ﵇ وقالوا فيما بينهم: لا تخبروا
1 / 381