والثالث: باطل بمثل ما بطل الأولان. الثاني أن ما في كتب الهادي رواية ودراية لا يبلغ العشر مما صار الآن في كتب فروع مذهبه، وقد قدمت أن دراية التلميذ لا يحل روايتها قولا للشيخ، وإنما يحل روايتها قولا لراويها، بل قال الإمام القاسم بن محمد في آخر إرشاده: وبلغنا عن بعض العلماء -يعني المهدي والفقيه يوسف - أنه قال ما لفظه: إن هذا الحكم الذي يعد أنه مخرج ليس بقول لمن[46/أ] خرج على قوله ولا قول للذي خرجه من قول المجتهد، فحينئذ يكون هذا الحكم لا قائل به، فكيف تجري عليه الأديان والمعاملات؟، وهذه ورطة تورط فيها الفقهاء برمتهم، إلا من لزم النصوص، وكذا في بعض كتب الأصول لأهل المذهب كالجوهرة إنكارها، وقرأت بخط شيخي أمير الدين عبد الله، وأظن أني سمعته منه عن بعض السادة من أهل البيت أنه قال: كثير من التخاريج مصادمة للنصوص، ولهذا يمتنع كثير من أهل التحري من العمل بالتخريجات والإفتاء بها لمخالفتها لنصوص الأئمة من غير ضرورة ملجئة إلى مصادمتها. وسمعت الإمام الحسن بن علي ينكرها، وقال ما معناه: كان مذهبنا سليما إلى زمان كذا، وذكر بعض أول المخرجين في مذهب الهادي، وكذلك اتباع الفقهاء الأربعة، فإن استطاع القاضي أن يخلص هذا الإسناد من هذين الإشكالين تفضل به جاز به لنا، وإلا وجب عليه الحذر من هذه المجازفة التي وقعت للإمام شرف الدين، ونسب في هامش الفصول مثلها للمؤيد بالله والإشكالات واردات للجميع. وقد وجدت في إجازات جدي العلامة صلاح بن الجلال استشعار خلل هذا الإسناد جملة[46/ب]، والاعتذار بأنه إسناد معنوي تسامحا لا تحقيقا، وما أدري ما جدوى هذا العذر عنها، وقد علمتم ما في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علماء أمته من الوعيد الشديد، الذي بسببه ترك أكابر الصحابة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتنع كثير من أهل التحري بالعمل بالتخريجات كما ذكرنا عن الإمام القاسم حذرا منه، وخرج أئمة الحديث بالتجاوز في رواية لفظه أو نحوه زائدة، ونسبوا روايتها إلى الوضع، فما ظنكم برواية ما لا نهاية له من أقوال الرجال قولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته، والله تعالى يوفقنا إلى ما يرضيه.
انتهى كلامه وهو كلام جيد وارد.
وقد كنت أجبت على السيد بأن هذا يرد على القاضي؛ لأنه أطلق، وأما على مقتضى ما هو ملصق أول شرح التجريد فإنه يقتضي أنه أراد الرواية في الحديث لا الدراية، ولكن فيه إشكالات قد ذكرتها في جواب رسالة القاضي أحمد بن سعدالدين على أن كلام القاضي إذا كان في جملة أصل الدين فليس بخاص لدينه ومذهبه، فإنه قد ذكر ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): أن كل مذهب أسند أهل مذهبه إلى علي بن أبي طالب المعتزلي، والأشعري، والرافضي، والزيدي فلا مخصص حينئذ في هذا الأمر الاعتباري إن أراده، وإن أراد الإطلاق فهو كما قال السيد ابن الجلال ظاهر البطلان، والله أعلم.
وله رسالة تضمن الاعتراض على المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم في دخول عساكره المشرق، وأنه لا يجوز ذلك في كلام طويل تضمن ذلك رسالته[47/أ]، وله قصيدة في الأصول يذكر فيها الحث على ما عليه السلف من الطريقة الأصولية على مقتضى مذهب الحنابلة، وله تصانيف على القلايد حاشية وتتمة حاشية سعد الدين على الكشاف وشرح على الأزهار، ما في فنه بالإيرادات على مقتضى مذهبه، وكذلك تعليق على الفصول في أصول الفقه، يورد فيه تشكيكات على الأصل وإيرادات، وله شرح على التهذيب في المنطق، ورسالة له في تحريم قصد البغاة إلى ديارهم، وله تقرير في تحليل الزكاة لبني هاشم، وله شواذ كثيرة تعد أشياء منها في الخرافات لا ينبغي الالتفات إليها والاغترار بها، بل كان التقليد له أولى من القول بها وقد أوردت بعضها في كراريس وبينت ضعفها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وله في الشعر اليد الطولى وفي الغزليات أيضا، وله في المجون قوله:
أنا للعاشقين إمام غير أني ذو صبابة
Страница 358