غير أن الباحثة كانت على حكمة مكنتها من استخراج الخير من الشر. فبدلا من أن يغضبها تعنت الناقدين، انجلت لها الحقيقة كما تتجلى أحيانا في لحظات الألم ففهمت أن الطريقة المثلى لتهذيب الرجل وإعلاء مداركه هي تهذيب المرأة وإعلاء مداركها، وأن الواسطة الفريدة لجعل الشعب المصري حرا نبيلا عظيما هي تحرير الأم من قيود الغباوة والخمول وإفهامها جلال النبل القومي والعظمة الوطنية.
ولقد وجدت في قرينها منشطا كبيرا.
إنه كان في وسعه أن يحطم قلمها بإشارة صغيرة، وبكلمة واحدة كان يستطيع إسكات ذلك الصوت الفعال. بيد أن عبد الستار بك عربي صميم، وله من وراثته الكريمة بما كانت عليه نوابغ النساء العربيات من حرية وأنفة مفاخر بأن تعيش في ظله من تماثلهن عزة وبيانا.
فليسر إليه الآن شكر المرأة المصرية مقرونا بآي الثناء!
أما أنت، يا أم الباحثة، فلك أنقى ما في القلوب من احترام وإجلال! وساعة تذهبين لزيارة حفني بك ناصف الراقد هناك في مدينة الذين رحلوا، قولي له إن اسمه مجيد مرتين: مجيد بعلمه وفضله، ومجيد لأنه والد امرأة مجيدة! هذا كل ما أردت أن أقول يا سيداتي.
وحول القلب الفتي الذي كان يذوب إشفاقا على المرأة الضعيفة المعذبة ويلتهب غيرة على مصر والمصريين، حول الصوت الصامت الذي طالما ارتفع خطيبا والقلم الجامد الذي طالما تحرك كاتبا اجتمعنا اليوم، المسلمة منا والقبطية والسورية، لنحيي أختنا الخالدة ولنمزج ذكرها بذكر هذه الأيام المملوءة حماسة وأحزانا.
نعم، المرأة المصرية التي انبرت بالأمس تهتف في الجماهير هتاف الوطنية والفخار قد عقدت اليوم في هذه الجامعة الأهلية المباركة اجتماعا معزيا في كآبته، ساميا في معناه، وحيدا من نوعه في تاريخ النهضة الحديثة لبنات هذا الوادي العظيم!
فليحمل الهواء حديث اجتماعنا إلى من لم تحضره من أخواتنا في القاهرة، وفي الأرياف، وفي الثغور، ولينقله إلى نساء سوريا وبغداد وسائر الأقطار العربية والأقطار الغربية التي ينشد نفر من نزلائها أبياتا نظمت بلغة القرآن! ولتردد النساء اسم المرأة المصرية الكبيرة «باحثة البادية» فيكون هذا الاسم عنوان نهضتنا النسائية الجديدة وعربون تضامن الشرقيات على رغم تباعد الديار واتساع البحار!
Неизвестная страница