تقول الباحثة: إن التربية من خصائص البيت لا المدرسة، وفي فرنسا اليوم مشروع جديد لنزع الولد من حضن العائلة وهو في السنة السابعة من عمره ليتلقى تربية أخلاقية. أليس هذا المشروع ناتجا عن ملاحظة عدم كفاءة الأمهات في التربية المطلوبة؟ على أن هناك تربية أخرى هي تربية الذات. وقد ذكرتها المصلحة تلميحا حيث قالت: «فقد وجب علينا أن نضاعف مجهوداتنا لإصلاح شأن أنفسنا ثم إصلاح النشء.»
إن الذين يسعدون بتربية متينة في الصغر قليلون في الشرق، ولعلهم ليسوا بالكثير في الغرب، ولكن يكفي أن يكون المرء حساسا راغبا في الرقي ليباشر إصلاح نفسه. هو يستطيع ذلك في كل أدوار الحياة وفي أي عمل من الأعمال. ولا يلبث الأمر المستهجن في بادئ الأمر أن ينقلب لذة كبيرة وقوة نامية. وربما كان أكثر الأفراد تأثيرا في المجتمع أولئك العاكفون على تربية ذواتهم، وهؤلاء يستفيدون من الكتب فائدة مزدوجة.
من اعتقادات الناس عامة أن العلم شيء والأخلاق شيء آخر، وقد يكون هذا ظاهرا في أحوال كثيرة إلا أنه لاغ عند من يتعاطون إصلاح نفوسهم. عندهم يمتزج العلم بالأخلاق وتتوحد المعرفة والتربية فتصير قوة رفيعة. وليس أقرب من العالم إلى الخلق السامي؛ لأن العلم يرينا عظمة الإنسان وجلال الوجود وقدرة الألوهية الشاملة، فيصبح العالم محبا ويتوق إلى الصلاح؛ إذ لا شيء يحث على الصلاح والرفعة الأخلاقية كالحب العميق الأكيد.
ألا فلنذكرن ذلك جميعا! وأنتم أيها الجالسون على مقاعد المدارس فتيانا وفتيات، المطلون من وراء السطور على غرائب الحياة وخفاياها وممكناتها، أنتم الأمل الذي لم يذو بعد، والزهرة النضرة التي لم تلفحها السموم، لو ذكرتم أننا في عصر عظيم لكنتم شيوخ حكمة في شبابكم! إننا في عصر لا مثيل له في التاريخ، فلا يغفر اليوم للفرد أن يكون ضعيفا ضئيلا لأن الأحوال تطلب الطبع الكبير والإرادة القوية ورجال الجد والعمل. فإن لم يعد في نصوص الآباء ما يرضي مطالب الأبناء فما الواجب إلا أكثر خطورة على الذرية الحاضرة.
قد تغلط هذه الذرية في تأويل معاني الارتقاء ولكن عليها أن تتجنب الخطأ بدرس أغلاط من كان لها سابقا. وقد تلقى فشلا مثلما لاقى السلف، ولكنها ستجعل اهتمامها مملوءا بثقة في الفوز والغلبة. وستجتهد على الأقل في فتح طريق الارتقاء للذراري المقبلات. وأي فخر أعظم من فخر من يهيئ السبيل؟! أليست قيمة الباحثة في أنها حفرت خط الإصلاح بدموع الإخلاص وإخلاص الدموع!
الفصل الثامن
قاسم أمين وباحثة البادية: المقابلة بينهما
فباحثة البادية بين النساء المصريات، بل المسلمات، بل الشرقيات عموما، لا يقل فضلها في الضرب على مساوئ الأسرة عندنا والحض على وجوب تعليم المرأة لتحرير عقلها وتقويم أخلاقها بالعلم الصحيح عن فضل قاسم أمين في وجوب تحريرها. وإن كانت لم تطلب لها هذا التحرير إلى الغاية القصوى مثله. لأنها لم تطلب إلغاء الحجاب بالكلية، وهو رأي في نظر البعض وجيه.
1
الدكتور شبلي شميل
Неизвестная страница