لم يرق لكثير من الأذواق التي أفسدها التقليد هذا المذهب الذي يفك عنها قيودها، ويخلصها من التكلف إلى مسايرة الفطر. ولقد أغفل المؤرخون الذين وقفنا على مؤلفاتهم شأن البهاء زهير في ديوان الإنشاء، حتى من تخصص منهم بهذا الموضوع؛ كالقلقشندي صاحب كتاب صبح الأعشى، فلم يرو لنا منهم أحد شيئا من الرسائل التي كتبت بقلمه على كثرة ما نقلوا من رسائل كتاب هم دونه مقاما.
وكل ما عثر عليه من ذلك رسالته في الرد على كتاب لويس التاسع ملك فرنسا إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، وسنعرض لها فيما بعد.
ذكر هذه الرسالة الإسحاقي في تاريخه، ثم أوردها المقريزي في خططه، ونقلها علي مبارك باشا في الخطط التوفيقية.
وهذه الرسالة المفردة تهدي - عند مقارنتها بما كان يكتبه القاضي الفاضل والعماد الكاتب وأضرابهما - إلى المنازع التي اختص بها البهاء زهير، ويعين على ذلك ديوان شعره، وعسى أن يوفق الباحثون إلى أخوات لهذه الرسالة تزيدنا علما بطريقة البهاء زهير وخصائصها.
هذا، ولست أعرف شاعرا نفخت مصر فيه من روحها ما نفخت في البهاء زهير، فهو مصري في عواطفه، وفي ذوقه، وفي لهجته إلى الغاية القصوى، وإن كان مولده في بلاد الحجاز.
من أجل ذلك كله وضعت هذا البحث في البهاء زهير الشاعر المصري، إحياء لذكرى رجل جدير أن يحيا بيننا تذكاره، وقد سبقني في العام الماضي إلى نشر بحوث في البهاء زهير وشعره الأستاذان المنشاوي والسقا، المدرسان بالمدارس الثانوية الأميرية، والأستاذ الشايب، المدرس بالجامعة المصرية، واطلعت على ما كتبوا بعد أن فرغت من رسالتي.
وقد تحرى الأساتذة مطابقة المنهج الذي وضعته وزارة المعارف لدرس الأدب العربي وتاريخه، فلهم في البحث وجهة غير وجهتي. وهذا ما يسوغ لي أن أنشر رسالتي بعد أن نشروا كتابيهم القيمين، معترفا بفضلهم، مثنيا عليهم جميل الثناء.
مصطفى عبد الرازق
مصر في مارس 1930
البهاء زهير
Неизвестная страница