كثيرا ومنظرا عظيما، فظن أنه الخليفة وتداخلته له هيبة وروعة، حتى قيل له إنه الحاجب، وحمل من بعد ذلك إلى الدار التي كانت برسم الوزير، وفيها مجلس أبي الحسن علي بن الفرات يومئذ، فرأى أكثر مما رآه لنصر الحاجب، ولم يشك في أنه الخليفة حتى قيل له: هذا الوزير. وأجلس بين دجلة والبساتين في مجلس، قد علقت ستوره واختيرت فرشه ونصبت فيه الدسوق وأحاط به الخدم بالأعمدة والسيوف، ثم استدعي إلى حضرة المقتدر بالله، بعد أن طيف به في الدار، وشاهد دار الشجرة «وكانت شجرة من الفضة وزنها 500 ألف درهم قائمة في وسط بركة عليها أطيار مصوغة من الفضة والذهب، تصفر بحركات قد جعلت لها، وللشجرة ورق بأشكال وألوان مختلفة، وكان إلى جانبيها تماثيل ثلاثين فارسا في كل جهة خمسة عشر، ألبسوا الديباج وغيره، وفي أيديهم مطارد يدورون على خط واحد خببا وتقريبا،
2
فيظن أن كل واحد منهم إلى صاحبه قاصد.» فتعجب الرسول من ذلك أكثر من تعجبه من جميع ما شاهده.
وأحصى شاهد عيان الستور الحريرية المطرزة بأنواع الزينة، فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر، وكانت البسط التي فرشت في الممرات اثنتين وعشرين ألف قطعة، هذا عدا ما في المقاصير والمجالس، وما علق على الجدران من فاخر البسط ونادرها.
ومما شاهده الرسول حير الوحوش، وكان فيها قطعان تقرب من الناس وتشمهم وتأكل من أيديهم، وشاهد فيها أربعة من الفيلة مزينة بالديباج والوشي على كل فيل ثمانية نفر من السند والزراقين بالنار، وشاهد فيها موضعا فيه مائة سبع - خمسون يمنة وخمسون يسرة - كل سبع منها في يد سباع، وفي رءوسها وأعناقها السلاسل.
ومما شاهده الجوسق المحدث ، وهو دار في وسطها بركة رصاص قلعي، وحولها نهر من الرصاص أيضا، والرصاص القلعي يحاكي الفضة المجلوة لونا، وطول البركة ثلاثون ذراعا في عشرين، فيها أربعة زوارق لطاف.
ومروا بالرسول على الفردوس، فكان فيه من الفرش والآلات ما يبهر الناظر ويهيج الخاطر، وفي دهاليزه عشرة آلاف جوشن مذهبة معلقة، وفي بعض ممراته نحو عشرة آلاف درقة وخوذة وبيضة ودرع وزردية وجعبة محلاة وقسي معلقة على الجانبين.
وعلى الجملة، فإنه قد طيف به على ثلاثة وعشرين قصرا، وكان آخر المطاف الصحن التسعيني، ومنه وصلوا إلى حضرة المقتدر بالله وهو جالس في قصر التاج.
وقد أقام بنو بويه بعض القصور على آثار قصور الخلفاء القدماء أو ما يقرب منها، أما السلاجقة فإنهم لم ينشئوا شيئا من القصور، وإذا قدم بعضهم إلى بغداد أقام في بعض قصور القديمة بعد إصلاحها وتأثيثها، ولم يبق اليوم لتلك القصور من عين ولا أثر، سوى أطلال قصر في القلعة أطلقت عليه دائرة الآثار اسم القصر العباسي، وهذا القصر كان يتصل بمحلة المخرم، وليس فيه من الكتابة ما يهدي إلى بانيه أو ساكنيه.
وفي بغداد اليوم قليل من المباني المهمة يأتي في طليعتها «قصر الزهور»، أمر بإنشائه المغفور له الملك فيصل الأول في الحارثية على يمين الداخل بغداد من الجانب الغربي، وقصر الرحاب وهو على مقربة من قصر الزهور في الحارثية أيضا على يسار الداخل إلى بغداد من الجانب الغربي، أمر بإنشائه صاحب السمو الأمير عبد الإله ولي العهد والوصي على عرش العراق. والقصران يعتبران أفخم ما بني في مدينة السلام في هذه الأيام.
Неизвестная страница