الفصل الرابع
العهد الصفوي (914-941)
غزا الشاه إسماعيل بغداد سنة 914 وفتحها عنوة، والشيخ إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية ورجلها الأول يمت بنسبة إلى الشجرة العلوية، وكان آباؤه من أهل التصوف والإرشاد وكذلك كان هو. ومن هذا الطريق تمكن من جذب الأعوان وجمع الجيوش، فأسس دولة كان لها الأثر البارز في سياسة الشرق عامة وإيران خاصة.
وفي سنة 906، استولى على تبريز وصار ملكا عليها، وبعد فتحه بغداد على يد قائده «لالا حسين»، أظهر فيها من التعصب المذهبي ما لا يليق بسيد علوي، وبعد زيارة العتبات المقدسة، رجع إلى عاصمة ملكه في إيران، وبذلك التهبت نار الأحقاد المذهبية، وانقسم الناس شيعا، منهم من يؤيد الشاه إسماعيل، ومنهم من يؤيد خصومه في المذهب، فكانت بينه وبين الأتراك العثمانيين وقائع كثيرة وملاحم ذهب ضحيتها عشرات الألوف من المسلمين، يستحل بعضهم دم بعض، ويسبي بعضهم حرم الآخرين. وفي سنة 920، وقعت بين الفريقين ملحمة تعد الفاصلة في بابها تعرف بوقعة «جلدران»، كان النصر فيها حليف السلطان العثماني والخذلان قرين الصفوي، وفي سنة 930 توفي الشاه إسماعيل، وكانت بغداد قد استقلت عنه في حياته عندما شعر الناس بضعفه وخوره أمام الجيش العثماني في وقعة جلدران، استقل بها قائد يقال له ذو الفقار، وساس أهلها سياسة حسنة، وذو الفقار من أمراء الدولة الصفوية انشق عليها، وخلفه على حكم بغداد «محمد خان تكلو»، واستمر هذا في الحكم حتى 24 من جمادى الأولى سنة 941 حين وصل جيش السلطان سليمان العثماني بغداد وفتحها.
الفصل الخامس
العهد العثماني (941-1335)
عندما انتزع العثمانيون بغداد من يد بقايا الصفويين عمدوا إلى رم الأضرحة المهدمة فيها وإصلاح الكثير من شئون المدينة، ومنذ ذلك الحين صار العثمانيون يرسلون الولاة لإدارة شئونها. وفي سنة 1033 عاد الصفويون فامتلكوا بغداد ثانية، وبقيت بأيديهم إلى سنة 1048، فاستعادها السلطان مراد الرابع بجيش قاده هو بنفسه، وأعاد ترميم جامع الحضرة الكيلانية وجامع الإمام أبي حنيفة وغيرهما من المعابد والأضرحة التي امتدت إليها يد الهدم والتدمير من قبل عمال الشاه عباس. وقد هبطت بغداد تحت ضغط تلك الفتن المتوالية والحروب المتعاقبة إلى الدرك الأسفل من الانحطاط، حتى زعم بعضهم أن تعدادها كان في بعض الأحيان لا يتجاوز 14 ألف نسمة، ثم أخذت بالانتعاش حتى بلغ تعدادها في أوائل العصر الثالث عشر الهجري 150 ألف نسمة، ولكن طاعونا أعقبته هيضة ورافقهما طغيان دجلة والفرات انتابت بغداد، فهلك فيها نحو من أربعة أخماس سكانها. وكان العثمانيون يعهدون بإداراتها إلى ولاة ينصبونهم من قبلهم، وقد كانت البصرة على الأغلب تابعة لبغداد، بل كانت ولاية بغداد تشمل جزءا من كردستان وخورستان والجزيرة والعراق العربي طولها 890 كيلومترا وعرضها 550 كيلومترا، وعدد سكان هذه الولاية نحو من المليونين.
ومعنى هذا أن بغداد في كل عهودها لم تزل حاضرة العراق وأم مدنه، وتعداد الولاة الذين تولوا حكمها وشرح أعمالهم وبيان مدة حكم كل واحد منهم أمور يطول شرحها ولا يتسع لها هذا المختصر، على أنه لا يفوتنا أن نذكر بعض الولاة الذين لهم فيها آثار مهمة لا تزال شاخصة إلى عهدنا هذا، ويأتي في مقدمتهم سليمان باشا وداود باشا ومدحة باشا. أما سليمان باشا فأكثر إصلاحاته كانت تتصل بالمعابد والمراقد والمدارس، وأما داود باشا (1232-1242) فيرجع إليه الكثير من الإصلاحات في المعاهد العلمية والمعابد وشق بعض الأنهار وبعث النهضة العلمية من مرقدها وإغداق النعم على رجالات العلم والأدب، وله الوقوف الكثيرة في هذه السبيل. وقد ألف الشيخ عثمان بن سند البصري العنزي المتوفى سنة 1250 كتابا حافلا بأخبار داود باشا، بدأ فيه بسنة ولادته وما أعقبها من السنين، وما حدث من الأحداث المهمة في تلك المدة، وأسماه «مطالع السعود في أخبار الوزير داود»، وكذلك فعل الشاعر المعروف الشيخ صالح التميمي، فجمع كتابا حافلا في أخبار هذا الوزير ومدائحه أسماه «وشاح الرود والجواهر والعقود»، أما الوالي مدحة باشا (1285-1288) فقد كان عهد ولايته مشحونا بالأعمال الجسام، فإنه تمكن في خلال مدة ولايته القصيرة على بغداد من فرض التجنيد الإجباري، وإنشاء دائرة النفوس ودائرة الطابو، وإنشاء مطبعة الولاية وجريدة الزوراء، تكتب بالعربية والتركية، وإنشاء مصنع للنسيج تابع للجيش أسماه: «عباخانة»، ومد خط التلغراف، وأنشأ ترامواي الكاظمية، ومدرسة للأيتام أسماها مدرسة الصنائع، ومدارس أخرى حديثة، وأنشأ الكثير من مباني الدولة، كما أنشأ دائرة المواصلات النهرية، وضم إليها الكثير من البواخر في دجلة والفرات، وأحدث كثيرا من الأوضاع العصرية في دواوين الحكومة. وفي زمنه قدم ناصر الدين شاه إيران لزيارة العتبات المقدسة، فاحتفى به مدحة باشا احتفاء رائعا، وأظهر مدينة بغداد وما حولها بمظهر مشرق جذاب. ولا يزال أشياخ البغداديين الذين شهدوا تلك الزيارة يذكرون مدحة بالإعجاب والإكبار، ولم يأت بعده من ولاة الأتراك من حذا حذوه، أو قارب خطوه، وآخر ولاة الأتراك على بغداد هو القائد خليل باشا الذي سقطت بغداد في عهده بيد الإنكليز.
1
الباب الثالث
Неизвестная страница