والطريق التي أراد الله تعالى أن يكون المكلفون [48أ] جميعا داخلين فيها مجتنبين نقيضها من العلو والفساد لا يتم على آكد الأحوال وأتمها إلا بإمام حق ممن يصلح لها بالعلم والعمل حسب الإمكان من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ذرية سيد المرسلين، وسيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله وسلم لينشر الدين، وينفي الظلمة واللصوص المتغلبين، ويهابه ودعوته وسيفه أهل الإجرام، الداعين إلى معظم معاصي ذي الجلال والإكرام، ولتوجد منهم هذه الطريق التي ليست علوا كعلو الظلمة وأهل الكبر والنخوة، وليست فسادا كفساد الفسقة وسفساف السقطة؛ فيجب التصدر للإمامة وجوبا لازما لمن يصلح لها، وتجب إجابته فرض عين على كل قادر على ذلك لنفي العلو والفساد إذ لا يحصل نفيهما في كثير من الناس إلا به إما لتعليمهم لجهلهم فيعرفهم ويجمعهم المئين والألوف، إذ لا يمكنهم المئين والألوف يصير إلى العلماء ولا يمكن العلماء يفعلوا ذلك وما لا يتم الواجب إلا به وأمكن فعل الشرط ولم يجعل الله تعالى الشرط إلا إلى المكلف، وخاطبه بالمشروط خطابا مطلقا، وبين تعالى شرطه بدليل مفصل وجب تحصيل شرطه ليتم الواجب المشروط كالوضوء، والصلاة، والإسلام، والواجبات التي هو شرط فيها.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((اللهم من رفق بأمتي فارفق به ومن شق عليهم فشق عليه))(1) والرفق بهم تعليمهم الشرائع حيث جهلوها ولم يستعملوا عقولهم في طلب العلم ليعملوا به في أمور دينهم ودنياهم، ومن المشقة عليهم ترك تنبيههم على ما يباعدهم من النار من تعليم الشرائع الإسلامية بتفاصيلها، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة، وحد يقام في الأرض بحقه أزكى من مطر أربعين يوما))(2) يعني -عليه وآله السلام- بيوم من إمام عادل يأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر، ويفرق الأموال بين مصارفها، ويحكم بين الناس بالكتاب والسنة، ويبلغهم الشرائع الإسلامية بتفاصيلها.
وعن علي -صلى الله عليه وآله- أنه قال: "لئن تثبت قدماي لا أدع أهل بيت من العرب يبلغون عشرة أنفس فصاعدا إلا بعثت فيهم مؤدبا يحكم فيهم بكتاب الله وسنته، فإنهم يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله".
الثاني والثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فذلك أصل من أصول الدين، من أنكر وجوبه كفر بالإجماع، وهو معلوم من الدين ضرورة فرض عين على كل مكلف حتى يقوم به البعض ويكفي له قيامه.
Страница 235