178

Бадр Мунир

البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير

فصل [ ] فأما غير ذلك فلا يحل إذا كفت هذه الحقوق بما يعود على المسلمين نفعه من المصالح العامة كالجهاد وأهله القدر المحتاج إليه في الجهاد وخيل الجهاد وجماله وغير ذلك مما لا بد منه فيه إذا دعت الحاجة إلى قتال الكفار إذا قصدوا أو لم يقصدوا إذا لم تكن لهم ذمة، فإن كانوا أهل ذمة لم يقاتلوا إلا إذا نقضوها بأن يتركوا الصغار ويتهيئوا للحرب، أو سبوا نبينا أو نبيا من الأنبياء أو دين الإسلام، ولا يجوز قصد الكفار وكذا البغاة إلا مع ظن الإمام وأهل الخبرة الغلبة لهم أو ظن السلامة حتى تقام عليهم الحجة وقت لإمامه وبعدها للأكثر لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}(1) إلا أن يكون لتبليغهم الشرائع وغلب بالظن السلامة حتى يتم التبليغ ولم يغلب بالظن استئصال الجميع أو الأكثر قبل التبليغ أو بعده وجب القصد لأجل التبليغ مطلقا لقوله تعالى: {لتنذر به ومن بلغ}(2) ولم يفصل تعالى، والآية محكمة إجماعا، وكالأنبياء -عليهم السلام، وإما لقتال البغاة الفاسقين مع ولاة السوء وعلماء السوء كالدولتين الأموية والعباسية الغاصبين اللصوص المتعصبين إلا قليلا منهم ومن يشبههم، ولكن لا يجوز قصد البغاة إلى مواضعهم للقتال إلا إذا تراضوا على فعل الفواحش الكبار من قتل النفوس بغير حق، وأخذ مال اليتيم والأرامل والخمور والزنا، ونكح الذكور، واستعباد [47أ] الأحرار، أو تغلبوا على أموال الله تعالى، وردوا قائم الحق من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الداعي إلى الله من نفوذ أمر الله فيهم ولهم تمردا؛ فإذا ثبت ذلك منهم فينبغي للإمام أن يراسل إليهم بالوعظ والتخويف بالله تعالى ويزيل شبههم بما يردها من محكم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك ندب إذا أمن على الرسل، فإذا لم يأمن قصد بجنده إليهم حيث غلب بظنه الغلبة أو السلامة ثم لا يبدأهم بالحرب بل يرسل إليهم وهو على بعد منهم بأمير في قوم لا يقدر العدو على غلبتهم ولا استهلاكهم فيسمعونهم الوعظ ويدعونهم إلى الحق إن امتثلوا وإلا عاد ذلك الأمير وقومه إلى الإمام وأخبره إن أمكن العود فإن أحربوا الأمير أرسل إلى الإمام ويقدم إليهم بباقي من معه وهذا واجب لئلا يأخذهم على غرة أو يظنوا أنه لا يقتلهم لو تابوا وأقلعوا، وقد قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}(1) ولمراسلة أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى معاوية لعنه الله؛ ولأن إزاحة العلل وإظهار الحجج معلوم ضرورة وجوب ذلك فإن قصدوا وجب الدفاع بما أمكن فإن لم يمكن دفاعهم وجبت الهجرة إلى جلي عنهم، وجازت مصالحتهم، ووجب اعتزالهم وكل ذلك معلوم من الكتاب والسنة وسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن لم تمكن الهجرة إلا إلى أظلم منهم إما لصوص قفار أو سباع، وإما أقوام يستحلون القبائح ولا ينتهون بعد معرفتهم للحق وإلا وجب الانتقال إليهم للتبليغ وإقامة الحجة فإن امتثلوا بقي فيهم وكانوا له نصرة وإن لم يمكن -أي ذلك- كانت هجرته بيته من غير مواصلتهم إلا لمصلحة، ولا يحسن شيئا من أفعالهم إلا أن يكون حقا يرضي الله تعالى فعله منهم؛ فيحسنه دون غيره من أفعالهم القبيحة ولا يزكيهم ولا يواكلهم ولا يناقشهم ولا يقف عندهم إلا قدر حصول ما يدفع عنه الضرر منهم أو قضاء مصلحة عامة أو خاصة يخشى من تركها التلف أو الضرر به أو بغيره من المسلمين إذا كانت من غير ما جرى عليه أساس ملكهم من الظلم والتغلب إلا أن يأمن مع التلطف وجب ما لم يؤدي إلى المداهنة والمباطنة، فالترك واجب؛ وذلك لأن نهيهم عن ذلك وهو بين أظهرهم من غير قوة جند وغلبة شوكتهم، ولو كان الله تعالى قادرا على ما يشاء لكنه تعالى قد عذر في هذه الحال فقال تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} وقال تعالى:}لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}(1) يعني تعالى: لا يضركم بعد إبلاغكم الجهد أو حيث لا تقدرون إلا بهلاككم من غير نكاية للعدو أو معها، وقد قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}(2) فحينئذ يسوغ تركهم وقد يجب حيث قد عرفوا الشرائع كفسقة المسلمين والكافرين أو لم يعرفوا والحال هكذا، وهذا من أصول الدين فأحببنا بيانه.

Страница 231