وعن علي -صلى الله عليه- أنه قال: "لإن تثبت قدماي لا أدع أهل بيت من العرب يبلغون عشرة أنفس فصاعدا ألا يغيب فيهم مؤدبا يحكم فيهم بكتاب الله وسنة نبيهم، فإنهم يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله" ويجب في حق الإمام وغيره هذه الخصال وولاته وغيرهم من العلماء والمؤمنين لتتم النصيحة للمسلمين بدعائهم إلى خير الآخرة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الدين النصيحة قالها ثلاثا قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ))(2) ولأن في ذلك دعاء إلى الله تعالى وقد قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}(3) أي: مذهبي مذهبهم في الإيمان والتقوى، ولقوله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم))(4) وكذلك يجوز تأليفهم بالأموال تأليفا ولو واجباتهم كلها ترد إليهم تأليفا لهم بعد قبضها لتجزيهم وإلا فلا تجزي وغيرها من الواجبات المالية إذا لم تقبض بل أسقطت وصرفت إليهم قبل قبضها لأنها لا تسمى قبل ذلك زكاة، وهم مخاطبون بها لقوله تعالى: {وآتوا الزكاة}(5) وإذا أسقطت بغير قبض من الإمام أو الفقير لم يكونوا قد أدوها وهم مخاطبون بها[43أ]، وتأليفهم بزكاتهم ولو كثرت قدر ما تحصل به المصلحة وبغيرها ولو كثر بها يكن ذلك حيفا على غيرهم جائر، وقد تجب لقوله تعالى: {والمؤلفة قلوبهم}(1) ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر حين تألف أقواما ليسلموا بالمائة الناقة للواحد وأعطى المسلمين الشاة والناقة للواحد، وفي هذا كفاية لمن استبصر، والله أعلم بالصواب.
قلت: والصحيح أن واجباتهم لا يجوز ردها فيهم ولا يجوز رد واجب أي مصرف فيه للإمام لأن واجباتهم لا تخرج عن كونها واجباتهم بقبض الإمام؛ ولو خرجت بذلك لحلت الزكاة للهاشمي قبل قبض الإمام ولا قائل بذلك؛ فقبض الإمام لا يفيد الملك وإنما هو وكيل للفقراء.
فأما وقت أهله وما يحتاج إليه تدبير من اكتساب الحلال ليسد به فاقته وأهله ووقت صلاته وطهورها وغسله أو قضاء حاجة بول أو غائط أو مرض أو نشوز أو خلوة بين محارمه أو خواصه فذلك له ولا يجب عليه تركه لأجل الناس وقد يجب عليه ذلك حيث يجب فإن كثر ذلك جعل نائبا ينفذ ما يأمره به مما تصح فيه النيابة فذلك له لقوله تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج}(2) ولقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}(3) ولقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض}(4) ولقوله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((الاكتساب من الحلال جهاد، وإنفاقك إياه على نفسك ومن تعول صدقة))(5) ولأن ذلك جرت عليه عادته صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء من قبله عليهم السلام وأمير المؤمنين علي -عليه السلام.
Страница 209