أجاب: هي في أسوأ حالة من جراء عمله معها وعملها مع نفسها.
فتنهدت تلك الفتاة المحبة، ولم تمنع دموعها عن السقوط الآن، فسقطت بغزارة. وأراد فؤاد أن يحول فكرها عن هذه النقطة فقال: ألا تحبين سماع القصة؟
أجابت: بدون شك.
الفصل الثالث والأربعون
قصة فؤاد واعتراف نسيب
قال: من بعد زيارتك لي صرت أتقدم إلى الصحة كأن خيالك الطاهر وهبني القوة التي كنت رفضتها إذ ذاك، فصرت أطلب الأكل فلا أحصل عليه كما أخبرتك الممرضة. وكان نسيب يزورني مرة في الأسبوع وكل مرة يكون سكران، وكأنه عرف بأن يدي فارغة من المال، فصار يحتال علي لأطلب مالا من والدي أو من أحد معارفه في نيويورك لكي يسلبه هو مني. أما أنا فلم أكترث لقوله؛ لأن المرض كان قد علمني أمثولة حسنة، إذ إني لم أكن بهذا المقدار شريرا حتى أتابع سيري في طريق الضلال التي فتحها أمامي نسيب، وساعدني على دخولها همي من فراقك، ونويت أنني متى خرجت من المستشفى لا أرجع إلى الوطن ما لم أسلك، ولكنني سوف لا أرجع لأعمالي الأولى، بل أشتغل وأحصل معاشي من الكد. والذي كان يعيقني عن الخروج حالا من ذلك السجن المؤلم، هو ضعفي الزائد واحتياجي إلى الغذاء الجيد.
ولفرط عجبي غيرت تلك الممرضة خطتها معي بعد عيادتك؛ فإنها كانت تعاملني معاملة خصوصية، وتأتيني بكل ما أشتهيه من المآكل والمشارب سرا.
فمر بخاطري حالا أنها بعد أن أبللت تحققت ما أنا عليه من الجمال فوقعت بهواي ...
وكانت بديعة قد ابتسمت الآن من خلال دموعها الغزيرة، فابتسم هو أيضا وقال لها: ساعديني على الكلام بابتساماتك الحلوة يا بديعة؛ لأن هذه أمور ماضية لا تحزن. ثم استأنف الكلام فقال: ومع أنني لم أبال بغرام تلك الفتاة الذي حسبته سبب معاملتها الحسنة لي، فقد سررت به لأمرين؛ الأول: لأني مثل كل إنسان فرحت لأنني حتى في حالتي من المرض والضعف والفقر لم أعدم من تحبني من السيدات. والثاني لأني كنت باحتياج إلى مثل هذا الغرام الذي يجلب المنفعة في أشد أوقات الحاجة إليها. لا تنظري إلي شزرا يا بديعة؛ فإنني وإن كنت إذ ذاك ميت القلب عن كل حب، فقد كنت ميت الجسم أيضا. ومن الجهل أن أرفض قبول ما حسبته نعمة وقد كنت أحسبه قبل الآن نقمة.
ذلك لأن الأيام علمتني أن أكون مع الظروف لا ضدها، فلا تغتاظي إذن متى قلت لك بأنني كنت أوهم تلك الفتاة بنظراتي وملاطفاتي أنني أحبها. ولكن لم ألبث أن عرفت كم هي أفكاري ساقطة مقابل شرف نفسها؛ لأن تلك الفتاة اللطيفة لم تكن تفتكر بما افتكرت به، بل كانت تقوم نحوي بواجب لم أعلم سببه.
Неизвестная страница