فالاستطراد قريب من التخلص، وكان شبيب بن شيبة يقول: الناس موكلون بتفضيل جودة القطع وبمدح صاحبه١، وجودة القطع هي حسن التخلص؛ فإذن كان القداء يعرفون هذا المعنى ولا يسمونه تخلصًا. أما الاستطراد فقط أشار إليه الجاحظ في بيانه ولم يلقبه هذا اللقب٢، وهو ضرب من البديع يظهر الشاعر أنه يذهب لمعنى فيعن له آخر فيأتي به كأنه على غير قصد وعليه يبنى وإليه كان مغزاه، وقد أكثر المحدثون منه، ومنه قول أبي تمام يصف فرسًا:
أيقنت أن لم تثبت أن حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان
واحتذى البحتري هذا الحذو في حمدويه الأحول، قال في فرس:
ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يومًا خلائق حمدويه الأحول
وهذا المعنى "الاستطراد" أعجب به المحدثون وقد وقع لمن قبلهم، قال الفرزدق:
كأن فقاح الأسد حول ابن مسمع ... إذا جلسوا أفواه بكر بن وائل
وأتى جرير بهذا النوع فقال:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
وأول من ابتكره السموءل -وكل أحد تابع له- فقال:
وأنا أناس لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول٣
ولإسحاق الموصلي:
فما ذر قرن الشمس حتى كأننا ... من العي نحكي أحمد بن هشام
ومن الاستطراد قول ابن المعتز:
علت بماء بارد فكأنما ... علت ببرد قصيدة ابن سعيد
_________
١ ٨٩/ ٢ العمدة.
٢ ١٠٥/ ٢ العمدة، ١٣٨/ ٣ البيان.
٣ راجع ١٤٩-١٥١/ ٢ زهر، ٣٨٨-٣٩١/ ٢ الذخيرة.
1 / 36