199

ولئن خرج عبيد الله على الجفاة من معاصريه، فقال في الغزل ما قال، فإني لأحسبه كتمنا كثيرا من شجونه، وضن على الشعر بمكنون صدره مداراة للعامة من جيرته، والسذج من عارفيه، فإن الخوف من صغار العقول، والهرب من ثرثرة السفلة، لم يسلم منه نابه، في عصر من العصور أو قطر من الأقطار.

إن الأبيات القلائل التي نقلها الرواة إلينا من شعر عبيد الله لتحدث عن صبابة وتسفر عن غرام، ولو أن الرجل أوتي من قوة الإرادة وشجاعة الفؤاد ما يشرح به هواه ويمثل به خواطره لكان له من المواقف الحسان والمشاهد المبجلة ما يضمن له الخلود في الشعر الوجداني من عالم الآداب.

إن ظلم العواطف حرمنا كثيرا من نفثات الشعراء، وجعلنا نتصيد طرائف الشعر الوجداني من هنا وهناك، ثم لا نجد ما ينقع الغلة، ويشفي النفس؛ لما في أكثره من التلون المذهب للعاطفة، المميت للشعور.

ولو أن ذلك كان وقفا على الفقهاء لتجملهم بالزهد أو النساء لتحليهن بالعفاف؛ لهان الأمر وسهل، ولكنا وجدنا في أشهر الشعراء بالظرف وأعرفهم بالخلاعة من يمنون بالنهاة من أهلهم، فينزلون عند حكمهم ويصدعون بأمرهم فيتناسون الهوى ويصدفون عن الغرام.

هذا عمر بن أبي ربيعة، كان من أجرأ الناس على إذاعة هواه، وأبعدهم صيتا في الغواية، وطاعة الشباب، ثم ما برح أخوه الحارث يعظه وينهاه، حتى كان من ذلك أن أعطاه ألف دينار على أن لا يقول شعرا، فقال: «أما ما دمت بمكة فلا أقدر، ولكني أخرج إلى اليمن.» فلما سار إلى هناك لم تدعه نفسه وقول الشعر، فقال:

هيهات من أمة الوهاب منزلنا

إذا حللنا بسيف البحر من عدن

واحتل أهلك أجيادا فليس لنا

إلا التذكر أو حظ من الحزن

لا داركم دارنا يا وهب إن نزحت

Неизвестная страница