الأب :
اخرس، اخرس (ثم انصرف وهو محزون) .
كلام شرف
في هذا البلد طائفة من أرباب الصناعات تود الإنسانية لو أناخ الدهر عليها بكلكله فعادوا هشيما تذروه الرياح، حتى لا يدنس الشرف المصري بما ينقضون من عهود ويخلفون من وعود.
تنظر إلى ثوبك فتراه وقد آذنت أيامه بالرحيل، فتذهب إلى تاجر مصري لتشتري منه قطعة من القماش تتقي بها البرد، فيقسم بالله والوطن أنه يرضى منك بالربح القليل، حتى إذا نزلت على حكمه أرهقك بالثمن الذي يفزع منه جيبك وتفرق منه دراهمك المعدودة. فإذا قلت له: هذا إسراف، قال لك: كلام شرف، ليس لي من ربح فيما بعته إياك، ثم تذهب إلى الخياط فيعدك بلبسه بعد أسبوع، فتقول: أرجو أن لا تهمل فإن البرد شديد، فيقول لك: كلام شرف، فتعود بعد الأسبوع فيقول لك: تعال في الغد، فإذا نظرت إليه نظرة عتب قال لك من جديد: «كلام شرف»، فتعود في اليوم التالي فيقول لك: تعال بعد ساعة، فإذا غضبت قابل الغضب بمثله وهو يقول: «نحن أناس لنا ذمة!»
تبحث مسألة أو تضم كلمة إلى كلمة، فيبدو لك أن تطبعها في إحدى المطابع، فلا تدخل على مدير المطبعة حتى يبدأك بالتأفف من اختلال الأنظمة الاجتماعية قبل أن تبدأه بالتحية، فيصح لديك أن هذا رجل أمين، ويؤكد ذلك «لطفه» في تحديد الموعد وتقدير النفقات، ثم تعود بعد حلول الأجل فيتفضل عليك بوعد جديد، فإذا قلت: «أخشى المطل»، قال لك: «كلام شرف» ثم يخلف، ثم تعود إلى تأنيبه فيدافعك وهو يصيح: «كلام شرف.»
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون .
ظالم يتظلم
رمانا الدهر - فيما رمانا به - بقوم يحبون أن يملئوا الدنيا صخبا وشغبا، وعذرهم في ذلك أنهم يحبون الصراحة ويقدسون القول الصريح، ويسمون هذا بالنقد، وإذا أراد امرؤ أن يتوجه إليهم ولو بكلمة نصح استنكروها منه وعدوها مناوأة وحبا للشخصية، فإذا قلت: إني لم أخرج عن الدائرة التي أبحتم لأنفسكم العمل فيما تحتويه. قالوا: ليس لك أن تعمل كما نعمل فإننا نخدم المصلحة العامة وأنت تخدم المصلحة الخاصة. فإن قلت: إني أيضا أعمل للمصلحة العامة، هموا بأن يخرجوا من ثيابهم، وقالوا: إنما أنت من أوساط الناس، وإنما يعمل للمصلحة العامة أصحاب المصالح في البلد أمثال سعادة فلان وفلان، فإذا قلت لهم: إنكم تدورون حول المصلحة الخاصة من حيث لا تشعرون، لووا عنك وجوههم وأصروا واستكبروا استكبارا.
عجيب أمر هؤلاء، لا يعملون ولا يتركون الناس يعملون، يبسطون ألسنتهم فيمن هم أطهر منهم ذمة، ثم إذا لمح إليهم كاتب ببعض سيئاتهم القديمة تدرعوا بسيئاتهم الحديثة، فيا عجبا هل يستر القار بالقار، أو يكشف الظلام بالظلام؟
Неизвестная страница