Чудеса и забавные истории
البدائع والطرائف
Жанры
قال هذا ومشى أمامي فاتبعته حتى إذا ما بلغنا بابا في نهاية الممشى أومأ إلي أن أدخل، فدخلت قاعة واسعة عالية السقف منارة بالشموع وقد جلس فيها بعض الوجهاء والكهان وكلهم في سكوت عميق. فلم أكد أخطو بضع خطوات حتى قام من صدر القاعة شيخ ذو لحية بيضاء وقد حنت ظهره الأشجان وثلمت وجهه الأوجاع وتقدم نحوي وأخذ بيدي قائلا: يعز علي أن تأتي من بلاد بعيدة وتجدنا مصابين بأحب من لدينا. ولكني أرجو أن لا يكون مصابنا حائلا دون إتمام الغرض الذي جئتنا من أجله، فكن مطمئن البال يا ولدي.
فشكرت له عطفه مظهرا أسفي لمصابه ببعض الألفاظ المشوشة.
وقادني الشيخ إلى كرسي بجانب مقعده فجلست صامتا مع الجلاس الصامتين أنظر خلسة إلى وجوههم الكئيبة، وأسمع تأوههم فتتولد في صدري كتلات من الضيم واللهفة. وبعد ساعة انصرف القوم الواحد تلو الآخر، ولم يبق سواي مع الوالد الحزين في تلك القاعة الخرساء، فوقفت إذ ذاك وتقدمت إليه قائلا: اسمح لي يا سيدي بالانصراف. فقال ممانعا: لا، يا صديقي، لا تذهب؛ كن ضيفنا إن كان بإمكانك احتمال النظر إلى كآبتنا واستماع أنة لوعتنا. فأخجلني كلامه وحنيت رأسي امتثالا. ثم عاد وقال: أنتم اللبنانيين أبر الناس بالضيف؛ فهلا بقيت عندنا لنريك ولو قليلا مما يلقاه الغريب في بلادكم!
وبعد هنيهة قرع الشيخ المنكوب جرسا فضيا فدخل علينا حاجب بملابس مزركشة مقصبة، فقال له الشيخ مشيرا إلي: سر بضيفنا إلى الغرفة الشرقية، وانظر بشأن مأكله ومشربه، وتول بنفسك شؤونه، وكن ساهرا على راحته.
فقادني الحاجب إلى غرفة رحبة بديعة الهندسة، فخمة الرياش تغشي جدرانها الرسوم والمنسوجات الحريرية، في وسطها سرير نفيس مغطى باللحف والمساند المطرزة.
تركني الحاجب فارتميت على مقعد أفكر بنفسي ومحيطي وبغربتي ووحدتي ومآتي أول ساعة صرفتها في بلاد قصية عن بلادي.
وعاد الحاجب يحمل طبقا عليه الطعام والشراب ووضعه أمامي فأكلت قليلا، ولكن بدون رغبة ثم صرفت الحاجب.
ومرت ساعتان وأنا أتمشى تارة في تلك الغرفة وطورا أقف في جوانب إحدى نوافذها محدقا إلى الفضاء مصغيا إلى أصوات البحارة، وخفق مقاذيفهم في الماء حتى إذا ما نهكني السهر وتضعضعت فكرتي بين مظاهر الحياة وخفاياها، ارتميت على السرير مستسلما إلى غيبوبة تتآلف فيها سكرة الهجوع وصحو اليقظة ويتقلب فيها التذكار والنسيان مثلما يتناوب الشواطئ مد البحر وجزره، فكنت كساحة حرب صامتة تتناضل فيها فيالق صامتة ويجندل الموت فرسانها فيقضون صامتين.
لا، لا أدري، يا رفاقي، كم ساعة صرفت أنا في هذه الحالة. إن في الحياة فسحات تجتازها أرواحنا، ولكننا لا نستطيع أن نقيسها بالمقاييس الزمنية التي ابتدعتها فكرة الإنسان.
لا، لا أعرف كم ساعة بقيت في هذه الحالة. كل ما عرفته إذ ذاك وكل ما أعرفه الآن هو أنني بينما كنت في تلك الحالة الملتبسة شعرت بكيان حي واقف بقرب سريري، شعرت بقوة ترتعش في فضاء الغرفة، شعرت بذات أثيرية تناديني ولكن بدون صوت، وتستفزني ولكن بدون إشارة، فنهضت على قدمي وخرجت من الغرفة إلى الدهليز مدفوعا مأمورا مجذوبا بعامل قاهر ضابط كلي. سرت ولكن بغير إرادتي. سرت كمن يسير وهو نائم، سرت في عالم مجرد عما نحسبه زمنا ومسافة، حتى إذا ما بلغت نهاية الدهليز دخلت قاعة كبرى في وسطها نعش تنيره كوكبتان من الشموع وتحيط به الأزهار. فتقدمت وركعت بجانبه ونظرت، نظرت فرأيت وجه رفيقتي، رأيت وجه رفيقة أحلامي وراء نقاب الموت، رأيت المرأة التي أحببتها حبا فوق الحب. رأيتها جثة هامدة بيضاء بأثواب بيضاء بين أزهار بيضاء تخيم عليها سكينة الدهور ورهبة الأزل.
Неизвестная страница