Бадаи аль-фаваид
بدائع الفوائد
Издатель
دار الكتاب العربي
Номер издания
الأولى
Место издания
بيروت
ينبغي أن يقال في التقديم هنا أنه تقديم بالزمان لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ تقديم الإنس على الجن وأما تقديم الإنس على الجن في قوله: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ﴾ فلحكمة أخرى سوى ما ذكره وهو أن النفي تابع لما تعقله القلوب من الإثبات فيرد النفي عليه وعلم النفوس بطمث الإنس ونفرتها ممن طمثها الرجال هو المعروف فجاء النفي على مقتضى ذلك وكان تقديم الإنس في هذا النفي أهم وأما قوله: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ فهذا يعرف سره من السياق فإن هذا حكاية كلام مؤمني الجن حين سماع القرآن كما قال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ الآيات وكان القرآن أول ما خوطب به الإنس ونزل على نبيهم وهم أول من بدأ بالتصديق والتكذيب قبل الجن فجاء قول مؤمني الجن: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بتقديم الإنس لتقدمهم في الخطاب بالقرآن وتقديمهم في التصديق والتكذيب وفائدة أخرى وهي أن هذا حكاية كلام مؤمني الجن لقومهم بعد أن رجعوا إليهم فأخبروهم بما سمعوا من القرآن وعظمته وهدايته إلى الرشد ثم اعتذروا عما كانوا يعتقدونه أولا بخلاف ما سمعوه من الرشد بأنهم لم يكونوا يظنون أن الإنس والجن يقولون على الله كذبا فذكرهم الإنس هنا في التقديم أحسن في الدعوة وأبلغ في عدم التهمة فإنهم خالفوا ما كانوا يسمعونه من الإنس والجن لما تبين لهم كذبهم فبداءتهم بذكر الإنس أبلغ في نفي الغرض والتهمة وأن لا يظن بهم قومهم أنهم ظاهروا الإنس عليهم فإنهم أول ما أقروا بتقولهم الكذب على الله تعالى وهذا من ألطف المعاني وأدقها ومن تأمل مواقعه في الخطاب عرف صحته وأما تقديم عاد على ثمود حيث وقع في القرآن فما ذكره من تقدمهم بالزمان فصحيح وكذلك الظلمات والنور وكذلك مثنى وبابه وأما تقديم العزيز على الحكيم فإن كان من الحكم وهو الفصل والأمر فما ذكره من المعنى صحيح وإن كان من الحكمة وهي كمال
1 / 67