مجلسه في ليالي الجمع جلساؤه وبعض أمرائه لسماع قراءة مسلم والبخاري وأمثالهما من كتب الحديث، وكان الذي يقرأ رجلًا أبخر، فلعهدي به، وقد حضر المجلس مع الأمير على بن الزبير والقاضي الجليس أبي محمد عبد العزيز ابن الحباب وقد أمال وجهه إلى القاضي المهذب بن الزبير، وقال له:
وأبخر قلت: لاتجلس بجنبي
فقال الأمير:
إذا قابلت بالليل البخاري
فقال الجليس: ولم؟ فبدره المهذب فقال:
فقلت وقد سئلت بلا احتشامٍ: لأنك دائمًا من فيك خارى
قال علي بن ظافر
أخبرني أيضًا هو وشهاب الدين يعقوب المقدم ذكره بما هذا معناه: قالا: جلسنا في الأيام لاجتناء زهر المحادثة، واقتناء دور المنافقة، فسمعنا صوت شبابة تذكر الأشيب الهرم زمان الشبيبة، وتحرك من الخرف الهم غزله وتشبيبه، وصوتها أشجى من أنين المشتاق لفرط الأشواق، وأرق من نوح العشاق عند عزم الفريق على الفراق؛ فقال شهاب الدين:
وشبابةٍ شبت لظى الشوق في قلبي
فقال الأعز:
تذكرني عهد الصبابة والحب
فقال شهاب الدين:
حبتني على بعدٍ بترجيعها الهوى
فقال الأعز:
فأحيت فؤادي المسهام على قرب
وأخبرني الشهاب قلب
انفردت ببوصير يومًا بالفقيه رضى الدين أبي إسحاق بن عبد الباري ﵀، وكنا خرجنا إليها في خدمة الوزير نجم الدين ﵀ وكان قد مضى إليها متنزهًا؛ فجلس إلينا غلام من أولاد بعض الرؤساء الذين كانوا في خدمته، حسن الوجه، ثم انصرف، فقال الرضى:
لله يوم مضى ببوصير
فقلت:
والعيش صفو بغير تكدير
فقال:
نديمنا فيه شادن غنج
فقلت: مكتحل جفنه بتفتير
قال علي بن ظافر
ووجدت يومًا بالجامع الأنور بالقاهرة لانتظار الجمعة، وكان يجلس بالقرب من مكاننا صبي وضئ، نهب وجهه وشعره من البدر نوره، ومن الليل ديجوره، واغتصب طرفه وعطفه من الظبي كحله، ومن الغصن تميله، ينعت بالشمس، فتأخر حضوره يومًا، فتعاطينا القول في غيبته، فقلت:
أفدي الذي غاب فغاب السرور
فقال الشهاب:
واتسع الهم بضيق الصدور
فقلت:
وأظلم الأنوار من بعده
فقال الشهاب:
1 / 100