فَوَائِدِهِ البَارِزَاتِ وَالكَامِنَاتِ وَهُوَ جَدِيرٌ بِذَلِكَ فَإِنَهُ كَلَامُ أَفْصَحِ الخَلْقِ وَمَن أُعْطَى جَوَامِعَ الْكَلِمَاتِ ﵌ صَلَوَاتٌ مُتَضَاعِفَاتٌ" (١).
وَقَالَ العَلَّامَةُ الشَّهَابُ أَحْمَدُ المنِينِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الحَنَفِيُّ فِي القَوْلِ السَّدِيدِ: "إِنَّ عِلْمَ الحَدِيثِ عِلْمٌ رَفِيعُ الْقَدْرِ، عَظِيْمُ الفَخْرِ، شَرِيفُ الذِّكْرِ لَا يَعتَنِي بِهِ إِلَّا كُلُّ حَبْرٍ، وَلَا يُحْرَمهُ إِلَّا كُلُّ غَمْرٍ، وَلَا تَفْنَى مَحَاسِنُهُ عَلَى مَمَرِّ الدَّهْرِ؛ لَم يَزَلْ فِي القَدِيْمِ وَالحَدِيثِ يَسْمُو عِزَّةٌ وَجَلَالَةٌ، وَكَمْ عَزَّ بِهِ مَنْ كَشَفَ اللهُ لَهُ عَنْ مُخَبَّآتِ أَسْرَارِهِ وَجَلالِهِ؛ إِذْ بِهِ يُعْرَفُ المُرَادُ مِن كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ويظْهَرُ المَقْصُودُ مِن حَبْلِهِ المُتَّصِلِ المَتِينِ، وَمِنْهُ يُدْرَى شَمَائِلُ مَنْ سَمَا ذَاتًا وَوَصْفا وَاسْمًا وُيوقَفُ عَلَى أَسْرَارِ بَلَاغَةِ مَن شَرَّفَ الخَلَائِقِ عَرَبًا وَعَجَمًا، وَتَمْتَدُّ مِن بَرَكَاتِهِ لِلمُعْتَنَى بِهِ مَوَائِدِ الإِكْرَامِ مِن رَبِّ البَرِيَّةِ، فَيُدْرِكُ فِي الزَّمَنِ القَلِيلِ مِن المَوْلَى الجَلِيلِ المَقَامَاتِ العَلِّيَّةِ، وَالرُّتَبِ السَّنِيَّةِ مَنْ كَرعَ مِنْ حِيَاضِهِ أَوْ رَتَعَ فِي رِيَاضِهِ فَليهنه الأُنْسُ بِجَنَى جَنَانِهِ السُّنَّة المُحَمَّدِيَّة، وَالتَّمَتُّعِ بِمَقْصُورَاتِ خِيَامِ الحَقِيْقِةِ الأَحْمَدِيَّةِ؛ وَنَاهِيكَ بِعِلْمٍ مِنَ المُصْطَفَى ﷺ بدَايَتهُ، وَإِلَيْهِ مُسْتَنَدُهُ وَغَايَتُهُ. وَحَسْبَ الرَّاوِي للْحَدِيْثِ شَرَفًا وَفَضْلًا وَجَلَالَةً وَنُبْلًا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ سِلْسِلَةٍ آخِرَهَا الرَّسُولُ وَإِلَى حَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ بِهَا الانْتِهَاءُ وَالوصُولُ.
وَطَالَمَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُقَاسُونَ فِي تَحَمُّلِهِ شَدَائِدَ الأَسْفَارِ، لِيَأخُذُوهُ عَن أَهْلِهِ بِالمُشَافَهَةِ وَلَا يَقْنَعُونَ بِالنَّقْلِ مِنَ الأَسْفَارِ فَرُبَّمَا ارْتَكَبُوا غَارِبَ الاغْتِرَابِ بِالارْتِحَالِ إِلَى البُلْدَانِ الشَّاسِعَةِ لأَخْذِ حَدِيثٍ عَنْ إِمامٍ
_________
(١) قواعد التحديث للقاسمي (ص ٤٤)، نقلًا عن شرح النووي على مسلم (١/ ٣) ط. إحياء التراث.
1 / 11