صلى الله عليه وسلم
وبني أعمامه، ومن بني أمية أصحاب الراية: أبا سفيان بن حرب وأولاده، ومن بني نوفل أصحاب الرفادة: الحارث بن عامر وأهل بيته، ومن بني عبد الدار أصحاب السدانة والحجابة ودار الندوة: عثمان بن طلحة وعشيرته، ومن بني أسد يزيد بن زمعة بن الأسود صاحب رياسة الشورى، ومن بني تيم أصحاب الأشناق والديات والمغارم: أبا بكر الصديق - عليه الرضوان - وعبد الله بن جدعان، ومن بني مخزوم أصحاب القبة والأعنة: الوليد بن ربيعة وابنه خالد وعمرو بن هشام (أبا جهل) ومن بني عدي أصحاب السفارة: الخطاب وابنه عمر وسعيد بن زيد بن نفيل، ومن جمح أصحاب الأزلام والقداح: صفوان بن أمية وإخوته، ومن بني سهم ولاة الأموال المحجرة لآلهة قريش: الحارث بن قيس وعشيرته.
فلما بلغ البناء قامة الرجل وأرادوا وضع الحجر الأسود في الركن الشرقي من الكعبة كما كان اختلفت قريش فيمن يكون له هذا الشرف الأعظم
4
برفعه ووضعه بمكانه لتعنو الجباه عنده لرب الكعبة، وادعى كل فريق أنه أحق بهذا الشرف من سواه فاحتدم الجدل واللجاج، وتنافرت القلوب التي كانت مجتمعة على بيت الله، وظل الجدل خمس ليال بيت كل قبيلة مناهضه وقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم، ثم اجتمعوا في المسجد الحرام للفصل فيما اختلفوا فيه بحد السيف، ولكن الله ألهمهم الصواب فإنهم ما كادوا يهمون بالشر حتى رئي أسن قريش يومئذ أبو أمية حذيفة بن المغيرة يعتلي كومة مما كان هناك من الأنقاض وينادي في القوم: «يا معشر قريش كلكم في السؤدد سواء، والغالب منكم في هذا اللجاج مغلوب. ثوبوا إلى أنفسكم، ودعوا الفصل فيما اختلفتم فيه لأول قرشي يدخل علينا من باب الصفا؛ فإما رفعه هو بيديه، أو قضى لنا بمن يرفعه، ولا تعقيب لحكمه».
فلما سمعت قريش هذا الرأي قبله البعض حقنا للدماء، وعقب سائر الجمع بالرضاء، وعلى ذلك اتجهوا بأنظارهم نحو باب الصفا ليروا أول قادم؛ فإذا نور ينبعث من مدخل الباب يتقدم صاحبه كأنه نور القمر يسبق مطلعه، وإذا محمد بن عبد الله يشق فضاءه، ويطلع عليهم من ذلك الباب. فلما شامته العين الشاخصة سرت بمرآه، وصاحت ألوف الأفواه من فرحها بأنه هو القادم تقول: الأمين! الأمين! إذ هكذا كان يدعى في قريش. ادن منا أيها الأمين واحكم بيننا. ثم خبروه خبرهم وما اتفقوا عليه. قال: «لا بأس عليكم. هلموا إلي بثوب» فأتي به فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه، ثم قال: «لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا» ففعلوا. فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده في مكانه، وبنى عليه بين تهليل الناس فرحا وثنائهم على الأمين، وكأنهم بأصوات عالية تعلو أصوات التهليل تتجاوب من حول المطاف في جهاته الأربع يلقي بها أربعة رجال بعضهم تلو بعضه، وهم يقولون: الله أكبر. الله أكبر. مكررين! يا معشر قريش، ويا أبناء إبراهيم جميعا، ليكن هذا اليوم فاصلا بين أمسكم وغدكم طهروا هذا البيت مما طهره منه إبراهيم من قبل، واعبدوا الله وحده لا تشركوا به أحدا، وكسروا هذه الأصنام الصماء التي تعدون هذا البيت؛ ليتحملها فقد كسرها قبلكم أبوكم إبراهيم.
5
يا معشر قريش، لقد أظلكم زمان يظهر فيه نبي من أنفسكم ورد ذكره في التوراة والإنجيل، وله علامات ومخائل، ولقد قضينا ما قضينا نتفحص الناس، ونستهدي الأحبار والرهبان حتى عينوه باسمه وأرومته فعرفناه، واطمأنت إليه نفوسنا، وقد جئنا نشهدكم علينا قبل مبعثه بخمس سنين
6
أننا به مؤمنون وبدعوته مقرون. فلا ندري أنحيا حتى نلقاه ونشد أزره أم يقبضنا الله إليه في الصديقين. يا معشر قريش، ستكون لكم به الدنيا فارقبوه، وستكون لكم الآخرة فاتبعوه. انظروا فيما حولكم وتأملوا: إن الذي وضع لكم الحجر بيديه هو نبي هذه الأمة وهاديها إلى الصراط المستقيم. ذلك هو محمد بن عبد الله الأمين.
Неизвестная страница