ولا يعيرها إلا اهتماما قليلا، ويتجاوز ما كان لمصر فيها إلى توافه الأمور، حين نقصد بدراسة التاريخ على أية صورة، وبأن نكتب قصصا محوره حوادث التاريخ الإسلامي، أن ندل فيما ندل على هذه الإرادة السيئة القديمة العهد، والتي كان من أثرها في حاضرنا ما نرى؛ ابتغاء التنبيه والتذكير والإهابة بالجنسية العربية خاصة والإسلامية عامة أن كفى ما أنتم فيه، فانهضوا واعملوا، واحموا أنفسكم من عوامل الإفناء التي أخذتكم من كل جانب.
أبدأ سلسلة القصص فيما يختص بمصر برواية: «باب القمر» هذه، وإنما سميتها كذلك؛ لأنه اسم الباب الغربي من سور مدينة الإسكندرية الذي دخل منه السلار شاهين قائد الفرس لما جاء لفتح مصر (616-618م) على أثر فتحه الشام والقدس (616م)، فتم بذلك نصر كسرى أبرويز على هرقل في أدنى الأرض، قبل أن تحق عليهم كلمة الله فيعود الروم ويجلوهم عن الديار في بضع سنين.
ليس هذا فيما يلوح لبعض القراء لأول وهلة في شيء من تاريخ الإسلام بمصر؛ إذ الإسلام إنما جاءها بمجيء الأمير عمرو بن العاص لفتحها في خلافة الفاروق عمر - رضي الله عنهما - أي بعد ذلك الفتح الفارسي بثلاث وعشرين سنة، ولكن الواقع غير ذلك؛ فإن الحرب التي جرت بين الروم والفرس هي التي مهدت لانتشار الإسلام، والخلافات المذهبية والجنسية هي التي أيقظت النفوس إلى حاجة الدنيا إلى إصلاح العقول والقلوب، وتنظيم الحياة على شرعة الحق العقلي، والخلاص من تلك الأوزار، وهي التي أظهرت فضل الإسلام، ونبهت العرب إلى حق إخوانهم عليهم، وحفزتهم إلى فتح العراق والشام ومصر وما وراءها؛ لإنقاذ الوطن العربي وجيرته برا بالجار، وما يملك كاتب له نظرية في ذلك مؤيدة بتلك المظاهر أن يمر بهذا العهد الخصب كأنه ماحل قاحل، وهو هو العهد لا عهد سواه؛ لإمكان إظهار السر العظيم في نشأة الإسلام، وذيوعه هذا الذيوع السريع، وفي استقراره في مصر إلى الأبد، وانتشاره منها إلى ما وراءها، وإذا عرضت الأسباب في موسمها فمن الخطل أن يتركها الكاتب على أن يتحدث عنها بالرواية بعد انتهاء موسمها بسنين.
وإذ كانت مهمتنا تاريخ الإسلام، وكانت فترة الحرب بين الفرس والروم هي الفترة التي بعث فيها النبي المصطفى
صلى الله عليه وسلم
وأجاب فيها دعوته أولئك الرجال الذين خطوا بسيوفهم وأقلامهم تاريخ الدنيا بعد ذلك، فمن الخطل أكثر من ذلك أن يمر بها الكاتب دون أن يلم بمعالم الحال في بلاد العرب برمتها، وما كانت عليه من العقائد والمذاهب والنظم، ويذكر جوهر الدعوة وحوافزها، ويعرض تاريخ صاحبها - صلوات الله وتسليماته عليه - ويتأمل بيئته وأثرها فيما فكر وفيما صنع وفيما جهر، ويعرض الأمر كله في نور العلم الحديث؛ ليتيسر فهمه عند أهل هذا الزمان الذين جعل العلم لعقولهم كرامة، فهم لا يمكن أن يفهموا الشيء ويصدقوه إلا إذا كان منطبقا على قواعد المنطق ونظريات علم الاجتماع؛ ولذلك يطلبون إلى الكاتب، لكي يقتنعوا، أن يجيب الناس بالتعبير الحديث الخالص من روح التشيع: ما بلاد العرب؟ ما البيئة التي وجد فيها صاحب الدعوة؟ ما هي الدعوة ذاتها؟ هل كانت ضرورية لبلاد العرب وللدنيا؟ أهي دينية تعبدية فحسب كسائر الأديان جوهرها صلوا وصوموا وكونوا أخيارا، أم إن الصلاة والصيام مما بني عليه الإسلام لا الإسلام نفسه، وأن للإسلام غرضا أعم ومقصدا اجتماعيا عالميا حفز العرب إلى المجاهدة في سبيله بالقلب واللسان واليد؟
هذا ما عنيت به، ومن ثم فالرواية من حيث موضوعها القائم بالنسبة إلى مصر جوهرية في تاريخ مصر الإسلامي، وجوهرية في تاريخ الإسلام؛ ولذلك اقتصرت في الحقيقة على حوادث الإسلام التي دعت إلى تيقظ الحنيفية في مكة وظهور الإسلام في بلاد العرب، ولم تتعرض لما بعد ذلك من تاريخ الرسول
صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه تاريخ تطبيق دعوته في يثرب في أيامه، وليس هذا موضوعي الآن، واقتصرت على عرض الأسباب التي دعت - فيما بعد - إلى تهافت الناس على الإسلام في مصر لما جاء به الأمير عمرو بن العاص، وهي بالذات أسباب تهافت غير المصريين عليه في غير مصر من بلاد الفتوح. •••
ولعله يجمل بنا أن نعجل هنا بمعرض تاريخي وتوطئة لما نحن في صدده لبيان الرأي الذي اتجهت الرواية إلى تقريره.
الوثنية والمجوسية والفتيشية والصابئة والبوذية والبرهمية والمزدكية واليهودية والتثليث والتربيع ... وغيرها، هي الأديان التي كان عليها العرب في أنحاء الجزيرة العربية في أيام الرسول
Неизвестная страница