وسمّوها الكبيسة وإنما زادوا ذلك لتتم سنة الشّمس.
وكذلك زادت الرّوم في أيام شهورهم ونقصت، وكبست ليكون أيام سنتهم موافقة لأيام سنة الشّمس، وهي ثلاث مائة وخمسة وستون يوما وربع يوم، وذكر بعضهم أنّ العرب كانت تعمل الكبيسة أيضا لئلا تتغير أحوال فصول سنتهم، وكان شتاؤهم أبدا في جمادي الأولى، وجمادي الآخرة، ويجمد الماء في هذين الشّهرين ولذلك سموهما بهذا الاسم، ويكون صيفهم في شهر رمضان، وشوال، وسموا رمضان بهذا الاسم لشدّة الحر فيه، ووجدوا أيام السّنة القمرية ثلاث مائة وأربعة وخمسين يوما، وتنقص عن أيام السّنة الشّمسية نحو أحد عشر يوما، وأحبوا أن تكون فصول سنتهم على حال واحدة لا تتغيّر، وكانوا يكبسون في كل ثلاث سنين شهرا، ويجعلون سنتهم ثلاثة عشر شهرا ويسمّونها النّسي إلى أن بعث محمد ﷺ، وأنزل الله تعالى هذه الآية: إِنَّمَا النَّسِيءُ
[سورة التوبة، الآية: ٣٧] الآية فلم يكبس بعد ذلك، فصار شهر رمضان يتقدم في كلّ سنة نحو أحد عشر يوما، ويدور على جميع فصول السنّة في نحو ثلاثين سنة، ولا يلزم نظاما واحدا، وهذا الذي حكاه هذا الإنسان يبطله ما ذكره الله تعالى، ورواته نقلة الأخبار، وسأبيّنه من بعد.
فقوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللَّهِ
[سورة التوبة، الآية: ٣٦] فالكتاب ها هنا هو الحكم والإيجاب ألا ترى قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ*
[سورة البقرة، الآية: ٢١٦] وكَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
[سورة الأنعام، الآية: ١٢]، والمعنى إنّ الواجب عند الله أنّ عدد الشهور على منازل القمر وأنّ أعياد المسلمين وحجّهم وصلواتهم في أعيادهم وغير ذلك تدور وأنه أجراها على هذا المنهاج: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
، [سورة التوبة، الآية: ٣٦] ثم قال تعالى: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
يريد من الأشهر، أي جعل لها حرمة كما جعل البلد الحرام، والبيت الحرام ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
[سورة التوبة، الآية: ٣٦] يريد دين الإسلام قوله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ
[سورة التوبة، الآية: ٣٦] أي لا تدعوا مقاتلة عدوكم إذا قاتلوكم في هذه الأشهر، فتكونوا معينين على أنفسكم وظالمين لها بكشف هذا قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ
[سورة البقرة، الآية: ٢١٧]، والمعنى عن قتال في الشهر قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ
[سورة البقرة، الآية: ٢١٧] وقد تم جواب السؤال لكن الله تعالى زاد في الكلام ما انشرحت به القصة وأتى من وراء القصة، فقال: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ
[سورة البقرة، الآية: ٢١٧]، فقاتلوهم فإنكم معذورون، ومعنى قوله تعالى:
كَافَّةً
جميعا، ومحيطين بهم ومجتمعين. وانتصابه على الحال، ومثل كافة قولهم: قاموا معا لا يدخلها الألف واللام، وكذلك قاموا جميعا، وقال الزّجاج: اشتقت من كفة الشيء
1 / 66