ففتح فؤاد عينيه كأنما تلك أول مرة يسمع فيها اسمها.
إذن فهي القصة القديمة!
وعادت به الذاكرة إلى أحاديث قوية، إذ قص عليه أخباره يوم التقيا بالقاهرة، وأطرق صامتا، فاستمر قوية يقول: عاد الخبيث منذ أسابيع فبعث إلي يستعيدني إلى أرضه، وكان أحيانا يمر بخيمتي فيتودد إلى تعويضة، ولكنها كانت ترده ولا تفضي إلي بأمره؛ خوف أن يزيد الأمر بيني وبينه سوءا، ثم رأيته يوما في عودتي إلى البيت مساء، وخيل إلي أنه كان منصرفا من خيمتي، فاتقد قلبي لهبا وعنفت على تعويضة حتى خيل إلي أن الأمر سوف يؤدي إلى القطيعة بيننا، فأخبرتني بما كان منه، فلم أتريث حتى تتعلق بي وتمنعني من الذهاب إلى ذلك الرجل.
وكان بيني وبينه في تلك الليلة حديث صريح هددته فيه وهددني، ثم انصرفت عازما على أن أثنيه عني وإن أدى الأمر إلى أن أفتك به فتكا.
ولكنه خشع بعد ذلك فلم يعد إلى شيء أكرهه، بل لقد بعث إلي منذ أيام رسولا من قبله يعرض علي أن أعود إلى عزبته، وأنه يحب أن يكرمني، فرددت رسوله عني ردا قبيحا.
وأكبر ظني أنه دبر لي هذا الحادث ليتهمني تهمة تمهد له سبيل الانتقام مني كما فعل بأخي من قبلي، هكذا يفعل هذا السيد؛ لأنه لم يقو على الوقوف وجها لوجه أمامي، ولكن الله من ورائي ولن يخذلني، وأما أنت يا سيدي فقد أقسمت لك يمينا صادقة، فإذا شئت فصدقني وإذا شئت فكذبني، وأما ميسور فلست أعبأ بما يدبره لي.
فصافحه فؤاد حزينا وعصر يده كأنه يعتذر إليه عما بدر منه، ولكنه ذهب عنه وفي نيته أن ينفض يده من هذه القضية المنكرة، وانطلقت السيارة إلى العزبة وأمر أصحابه بالعودة إلى دمنهور، فلما بلغ المدينة كان أول همه أن يرى رئيس النيابة ليطلعه على ما كان منه، وأفضى إليه بكل أمره لم يخف منه شيئا، فوافقه الرئيس على أن واجبه أن يتنحى عن التحقيق في تلك القضية تجنبا للشبهات.
وتعمد فؤاد بعد ذلك أن يتباعد عن كل ما يتصل بقضية قوية تاركا صديقه لرحمة الأقدار، وقضى أسابيع طويلة ممزقا في خواطره، يلوم نفسه حينا، ويعذرها حينا، وهو في كل ذلك يخشى أن يضيع الفتى ضحية المكر الخبيث.
ولكن الشواغل شغلته بعد ذلك عن أن يفكر في أمر قوية إلا بين حين وحين، فكانت صورة الفتى تتمثل له أحيانا كأنها تؤاخذه، وكانت صورة تعويضة تبدو له كأنها تعاتبه، فكان يدفع صورتيهما في شيء من الفزع ويبعد التفكير فيهما بهزة عنيفة.
11
Неизвестная страница