فقال فؤاد: وماذا قالت عنها علية؟
فأجاب سعيد: أظن أن إعجابها بي زاد أضعافا حتى ألحت علي أن تكون تلميذة لي، فقد أعجبها ما رأت من ألواني ومن تعبيري وقالت كلاما كثيرا لم أفهم منه أكثر مما أفهم من كلامك أنت.
فهي مثلك تستعمل ألفاظا لا أعرف لها معنى، أما أنا فإني لم أقصد من صورتها أن تكون رائعة ولا أن تكون شائهة، وكان كل ما فعلت أن نظرت إليها ثم انطبع منها أثر في نفسي فصورت هذا الأثر، وكنت في أثناء ذلك لا أكاد أفتح عيني.
فهز فؤاد رأسه في هدوء وقال ضاحكا: إنني أخاف أن أصف لك ما وقع في نفسي، فأنت تحتقر ألفاظنا معاشر البشر كأنك قد أصبحت خلقة أخرى.
فأجاب سعيد: بل يسرني أن أسمع ما تقول وإن كنت لن أفهمه، ويسرني سماعه لكي أرى كيف يفكر أمثالك من الفلاسفة والعلماء، فقل ما بدا لك لعلك تعلمني شيئا جديدا.
وكانت سخريته وديعة أشبه شيء بالتحية.
ومضى فؤاد في حديثه قائلا: ألقي في روعي عندما رأيت الصورة أن صاحبتها فتاة طيبة هادئة سعيدة، ولكنها مع ذلك تتطلع إلى شيء مجهول تحاول أن تجد فيه ما يدخل عليها بعض الحزن أو الألم أو القلق أو كما شئت أن تسميه.
فخبط سعيد بيده على المنضدة في حماسة وقال: إنك تكاد تنطق بما في نفسي مرة أخرى، فتعبر عما عجزت عن التعبير عنه في ألفاظي، ويخيل إلي أن العيب في أنا إذا كنت لا أفهم ما يقوله أمثالك، لم أفكر في هذا كله ولكني أحسسته، وهي حقا كما تصفها، هي تعيش في ظل أبيها منعمة هادئة سعيدة، وهي طيبة القلب إلى أبعد ما يكون القلب طيبا، ولكنها مع ذلك تنظر إلى الحياة نظرة يشوبها الحزن والقلق والألم، وهي تقضي وقتها في المعاونة على بر الضعفاء والمشاركة في خدمة المساكين، فهي عضو من جمعيات خيرية شتى ومؤسسات اجتماعية مختلفة تعود منها كل يوم حزينة، وترى أن ذلك يدخل على قلبها سعادة أكبر من سعادتها بنعمة أبيها.
فقام فؤاد يذرع الغرفة قائلا: لقد صدقت التعبير عنها في صورتها، فهي - كما قلت لك من قبل - تقف على الشاطئ الآخر من الحياة، تقابلها من بعيد صورة الزنجي المرح.
ومد سعيد يده إلى مكتبه فأخرج منه لفافتي تبغ سمراوين، وقدم واحدة منها إلى صاحبه.
Неизвестная страница