فقال سعيد: فماذا قرأت هنا؟
فقال فؤاد: أما وقد شئت أن أقتحم عليك عالمك العلوي فإني أرى هذه الصورة تكملة للأخرى، فإذا كان للحياة شاطئان، فصورة الزنجي على شاطئ منهما وهذه على شاطئها الثاني.
فقال سعيد في نفس عميق: لكأنك كنت في نفسي، حقا أنها تكملة الصورة الأخرى، كان هذا المعنى غامضا في أعماق حسي حتى جلوته أنت في ألفاظك القليلة، أأقول: إننا معاشر أهل الفن نقنع بالإحساس الصامت لأننا نعجز عن خلق اللفظ الناطق؟
فضحك فؤاد قائلا: لو كنت من أهل الأدب لمددت إليك يدي مصافحا، ولكني أوثر أن يبقى فنك صامتا، وخير لنا أن يبقى الفن مطلقا مبهما من أن نحاول أن نحدده بألفاظنا.
ثم حول بصره إلى البهو الفسيح وفيه عشرات أخرى من لوحات بين صور من جوامد وأخرى من الأحياء، وبين مناظر من الريف وأخرى من الصحراء أو شواطئ البحر.
ثم قال لصاحبه: إن هذا عالم لا نجرؤ على أن نطلع عليه في مثل هذه اللمحة العابرة.
ثم عاد إلى صورة الفتاة قائلا: من هذه يا سعيد؟
فمد سعيد إليه ذراعه وقال له ضاحكا: أما تكفيك صورتها؟
ثم جذبه عائدا به إلى غرفة مكتبه.
وخجل فؤاد من فضوله على ما كان بينه وبين سعيد من المودة القديمة، وخيل إليه أنه قد اقتحم عليه بهذا السؤال سرا، وأدرك سعيد من هيئة صاحبه أن جوابه قد صده، فقال له باسما: لا بأس عليك ولا تذهب بك الظنون مذاهبها، فهذه أختي - أقصد صاحبة الصورة التي سألتني عنها.
Неизвестная страница