كان هذا أول شيء يقوله ويقترب من الجدية، وقد جرحها بحق. إلا أنها أجابته بنفس الأسلوب المبتهج السلس الذي كانت تتحدث به، ثم اصطحبته إلى الباب. عادت السيدة لاكرستين إلى حجرة الاستقبال، وشمت رائحتها، فأمرت الخدم في الحال بإخراج جلد النمر النتن وحرقه.
لبث فلوري عند بوابة حديقته متظاهرا بإطعام الحمام. لم يستطع أن يحرم نفسه من ألم رؤية إليزابيث وفيرال وهما يبدآن جولتهما بالخيل. كم عاملته بجفاء، كم عاملته بقسوة ! إنها لبشاعة ألا يتحلى الناس باللياقة حتى للتشاجر. بعد قليل ارتقى فيرال الطريق إلى منزل آل لاكرستين ممتطيا المهر الأبيض، والسائس يمتطي المهر الكستنائي، ثم لبث مهلة، وظهرا بعدها معا، فيرال على صهوة المهر الكستنائي، وإليزابيث على الأبيض، وهرولا سريعا صاعدين التل. كانا يثرثران ويضحكان، وقد اقترب منكبها في القميص الحرير من منكبه بشدة. ولم يلتفت أي منهما إلى فلوري.
حين اختفيا في الغابة، كان فلوري ما زال يتسكع في الحديقة. كان الوهج قد كمد واستحال أصفر. وكان البستاني منهمكا في انتزاع الزهور الإنجليزية، وقد ذوى أغلبها، بعد أن قضت عليها أشعة الشمس الشديدة، ويزرع زهور البلسم ونبات عرف الديك والمزيد من الزينيا. مرت ساعة، ثم تقدم على الطريق هائما رجل هندي حزين بشرته بلون التربة، يرتدي مئزرا للخصر وعمامة لونها برتقالي وردي حمل عليها سلة غسيل.
وقد أنزل السلة وحيا فلوري منحنيا. «من أنت؟» «تاجر كتب يا سيدي.»
كان تاجر الكتب هو بائع متجول للكتب يهيم من قاعدة لأخرى في أنحاء بورما العليا. وكان نظام التبادل لديه هو أن تعطيه مقابل أي كتاب في مجموعته أربع آنات، وأي كتاب آخر. لكن ليس أي كتاب تماما؛ إذ إن تاجر الكتب رغم أنه أمي فقد تعلم كيف يتعرف على كتاب الإنجيل ويرفضه.
فكان يقول آسفا: «لا يا سيدي، لا. (وهو يقلبه في يديه البنيتين المفلطحتين باستنكار) لا يمكنني أن آخذ هذا الكتاب ذا الغلاف الأسود والحروف المذهبة. لا أعلم السبب، لكن كل السادة البيض يعرضون علي هذا الكتاب، ولا يقبل أحد منهم أن يأخذه. ما الذي قد يكون في هذا الكتاب الأسود؟ لا بد أنه شيء خبيث.»
قال فلوري: «اخرج نفاياتك.»
بحث بين الكتب عن رواية مثيرة؛ إدجار آلان والاس أو أجاثا كريستي أو شيء من هذا القبيل؛ أي شيء ليسكن الاضطراب الرهيب الذي كان في قلبه. بينما هو منحن على الكتب رأى الرجلين الهنديين يهتفان ويشيران في اتجاه حافة الغابة.
قال البستاني بصوته الشبيه بمن امتلأ فمه بالطعام: «انظر!»
كان المهران خارجين من الغابة؛ لكن من دون راكبين. هبط الاثنان التل آتيين خببا تتدلى الركاب وتتخبط أسفل بطنيهما، وقد بدا عليهما خجل ساذج كالذي يبدو على الحصان الذي هرب من سيده.
Неизвестная страница