حول المتهم وجهه الرمادي في ألم نحو ويستفيلد الذي رنا بعيدا. أمسك به الشرطيان، وأداراه وأحنيا قامته؛ مزق المحقق إزاره، وعرى مؤخرته.
قال وهو يشير إلى بعض الندبات: «انظر إلى هذا يا سيدي! لقد ضرب بالخيزران. إنه متهم عتيد. ومن ثم فقد سرق الخاتم!»
قال ويستفيلد متكدرا وهو يتراجع بكسل عن الطاولة واضعا يديه في جيوبه: «حسنا، فلتضعه في الزنزانة.» كان في قرارة نفسه يكره القبض على أولئك الأشقياء المساكين من اللصوص. رجال العصابات والمتمردون نعم؛ لكن ليس تلك الجرذان الذليلة المسكينة!
قال ويستفيلد: «كم لديك في الزنزانة الآن يا مونج با؟» «ثلاثة يا سيدي.»
كان الحجز في الطابق العلوي، عبارة عن قفص أحاط به قضبان خشبية بعرض ست بوصات، ويحرسه شرطي متسلح ببندقية قصيرة. وكان معتما جدا، وحارا لدرجة خانقة، وليس به أي متاع سوى حفرة لقضاء الحاجة تصاعد نتنها إلى السماء. عند القضبان جلس سجينان القرفصاء، مبتعدين عن سجين ثالث، عامل هندي، غطته القوباء الحلقية من رأسه إلى أخمص قدميه مثل درع من الحلقات المعدنية. وكان خارج القفص سيدة بورمية ممتلئة، زوجة أحد الشرطيين، جاثية تغترف الأرز والعدس السائل في أقداح من الصفيح.
قال ويستفيلد: «هل الطعام طيب؟»
ردد السجناء مثل كورس: «إنه طيب يا سيدنا الكريم.»
كانت الحكومة تخصص لغذاء السجناء قيمة آنتين ونصف للرجل في الوجبة، تتطلع زوجة الشرطي إلى ربح آنة منها.
خرج فلوري وتسكع في المجمع السكني، وهو يضرب الحشائش في الأرض بعصاه. في تلك الساعة كانت ثمة ألوان جميلة هادئة في كل شيء - أخضر رقيق في أوراق الأشجار، وبني مائل للوردي في التربة وجذوع الأشجار - مثل دهان بألوان مائية لن يلبث يختفي في وهج الشمس القادم. بعيدا في الميدان كانت ثمة أسراب من حمام بني صغير يحلق على ارتفاع منخفض يطارد كل منها الآخر هنا وهناك، ووروار، أخضر مثل الزمرد، يتقافز مثل طيور سنونو بطيئة. وكان هناك صف من الكناسين، توارى حمل كل منهم جزئيا خلف ملابسه، يسيرون متجهين إلى حفرة مقززة للنفايات واقعة على حدود الغابة. كانوا وهم بؤساء مهزولون، بأطراف وركب مثل العصي وهنت حتى استعصت على الاستقامة، مكتسين بأسمال بلون الوحل، مثل موكب سائر من الهياكل العظمية التي غطاها الكفن.
كان البستاني يحفر الأرض من أجل حوض زهور جديد، بجوار برج الحمام القائم قرب البوابة. كان شابا هندوسيا غبيا بليدا، عاش حياته في شبه صمت مطبق؛ لأنه كان يتحدث إحدى لهجات مانيبور التي لم يفقهها أحد آخر، ولا حتى زوجته الزربادية. كما أن لسانه كان كبيرا جدا على فمه. وقد انحنى لتحية فلوري، مغطيا وجهه بيده، ثم رفع فأسه عاليا مرة أخرى واخترق الأرض الجافة بضربات خرقاء ثقيلة، فيما ارتعشت عضلات ظهره الرخوة.
Неизвестная страница