أولا ينبغي أن تكون هذه نفسها حل مشكلة العالم الإنساني في اجتماعه، ومبدأ نظامه في حياته، إن تعداد الذكران من النوع يضارع تعداد الإناث في كل صقع وإقليم ودولة في الماضي والحال والاستقبال، أليس هذا عجيبا؟ يا الله علمني، فهمني، أنا حائر، أريد الإصلاح العام في النوع الإنساني، لعل مسألة الذكور والإناث مبدأ حلها، يا الله أنت نظمت الكواكب التي شاهدتها بالبرهان الحسابي الفلكي الجبري أولا، وبالحس والعيان كرة أخرى، أولست أنت المنظم لنا، فلماذا يسود النظام هناك ولا يسود هنا؟ الحكمة واحدة والنظام شامل، ثم بدا لي أن هذه تحل المشكلة الإنسانية الاجتماعية بما يأتي.
إن تعداد الذكران والنسوان وتساويهما مبدأ النظام الاجتماعي، فما شاهدنا أمة من الأمم اقترض رجالها نساء أمة أخرى؛ لفقدهم ولادة الإناث. فهذا دليل على أن الحكمة السارية في العالم دخلت في دور السياسة والاجتماع ونظام المدن، الأمم يعوزها الزراعة والتجارة والإمارة والجند والفلاسفة والموسيقيون، أفلم يخلق في كل أمة وقرية وقبيلة أناس هم أصلح لتلك الأعمال، وإن من شيء إلا له مقدار معلوم، وعدد محتوم وسبيل مرسوم، فترى أولي الألباب يقلون ويكثر الصالحون للصناعات اليدوية، ثم تأملت إلى الذين حسنت أصواتهم إذا هم نادرون، وكذلك الذين هم في جمالهم بارعون.
أذكر أني شاهدت شابا حسن الهيئة جميل البزة، فتوسمت فيه عشق الفنون الجميلة والموسيقى، فطرة في وجهه توسمتها، ومنحة في سيماه أدركتها، فسألته عن ذلك إذا هو بالموسيقى مشغول، وبالفنون الجميلة مغرم، ذو صوت جميل، ولعمرك ما كل الناس حسنت أصواتهم كهذا الشاب، ما أقل ذا الصوت الجميل، هكذا الأذكياء؛ لأن الأمم لا يعوزها إلا قليل من الأذكياء لتدبير شأنها ، وتقويم أودها وتنظيم سياستها.
يختلف الناس في أصواتهم وألوانهم وميلهم، ويقل فيهم الأذكياء، إن للاختلاف لحكمة، لم لا تكون آراؤهم وعقولهم مصنوعة موضوعة بمقدار ما يحتاجون له من أعمال الحياة، بحيث لو ربوا في معاهد تنمي عقولهم لاختار كل منهم ما هو أكثر استعدادا له، ولانتظمت أمور الدول والممالك، ولم لا يكون أمر ميل العقل بنظام ثابت على مقدار الحاجة، كما كان ذلك في الذكور والإناث.
أليس من العجب أن ينتظم أمر الذكران والنسوان في العالم كله بلا غلط ولا نسيان، أفلا يكون هكذا جميع شئون الحياة والاجتماع والسياسة، إن في الناس القوي والضعيف، والذكي والبليد، هلا اكتشف العلماء ذلك، هلا نقبوا عنه، يا معشر بني آدم، يا معشر الناس، يا أمم الشرق، يا أمم الغرب، لو أن رجلا جاءكم من قبل ثلاثمائة سنة وقال لكم: إن في كل نبات ذكرا وأنثى لحكمتم عليه بالجهل والهذيان والوسواس، فلما أن علم ذلك الناموس أصبح بديهيا مسلما، إن ذلك الناموس كان واضحا في النخل، ولكن الناس ينكرون ما وراء علمهم، ويكذبون بما لم يحيطوا بعلمه وييأسون ولا يصدقون إلا بعد أن يحاربوا أولي الألباب.
أفلا يكون تساوي الذكور والإناث في نوع الإنسان مبدأ للنظام الاجتماعي، فإذا مهدنا السبيل وبحثنا جهد طاقتنا علمنا ذلك علم اليقين. ألا وإن هربرت الألماني ينكرها. ألا وإن العقل ينصرها. ألا وإنه قد تخبط ولم يتثبت فيما ادعاه وحالت دونه العقبات. أدرك الناس الذكران والإناث في سائر النبات بعد وضوحهما في النخلات، أفلا يكون وضوح تساوي الذكران والنسوان داعيا حثيثا إلى البحث عن القوة الكامنة في النفوس لإصلاح الاجتماع، والإنسان يفهم طبع ما حوله، وهو عن طبعه من الغافلين، الإنسان حوى جواهر السعادة، وعناصر الرقي في جواهر دماغه، فهل يليق أن يهنأ الوجود بالنظام ويخلو منه الإنسان، إني جربت التلاميذ وخبرت الطلاب، فرأيتهم في استعدادهم مختلفين، وكثيرا ما كنت أستدل بالملامح على الاستعداد والقوة والضعف في العقول، فليجد العلماء في بحثهم والتحري عنه، فهذه أهم المسائل وأقرب الوسائل لسعادة الإنسان.
المذكرة الثانية
ورد في إحدى الجرائد أن امرأة أوقدت التنور فشبت النار فيما حولها فالتهمت قريتها بأكملها، إن جهل امرأة أودى بحياة قرية، واختلال نظام بيت خسارة على بيوت الباقين، يا أيها الناس اعقلوا، واعلموا أنه ما دامت أمة على سطح الكرة جاهلة أو مظلومة فإن شررها يستطير منها إلى ما عداها، ولا يسعد الإنسان على سطح الأرض اليوم إلا متضامنا متحدا.
لقد أخبرت بذلك صديقا يحادثني وسميرا يؤانسني، فتبسم ضاحكا، وقال: يا سبحان الله ما أغرب رأيك! وما أعجب قولك! وهل قال بذلك أحد من العالمين؟! قال ذلك وهو يدخن. فقلت له: أشرب الدخان ضار أم نافع؟ فقال: بل ضار. فقلت: فلم تشربه؟ فقال: حكمت العادة، وغلب الطبع، وقضي علي قضاء مبرما بالتدخين، فأين المفر من قضائه؟ وأين المهرب من إيذائه؟ فقلت: أتدري لم وقعت في هذه البلية، وشغلتك هذه القضية؟ ذلك أن في نوع الإنسان أمما جاهلة قلدتها أمم في رذائلها، واتبعتها في سخافتها. فقال: كيف ذلك؟ فقلت: إن الإسبان إذ فتحوا أمريكا ألفوهم يدخنون، فألحوا في منعهم، ولجوا في التدخين وأسروا النجوى بالذنوب، فقلدهم أحقر الطبقات من الإسبان، فتشبه بهم الأغنياء والأعيان، واتبع سبيلهم الأمراء والملوك، فطغى سيل العادة الجارف على أوروبا والشرق، واستطار شرر الدخان، وطغى وعم نوع الإنسان، فأصبحت به من المغلوبين.
كل ذلك لأن أمة جاهلة أعدت العالم، وشرذمة ضعيفة ساقت الأقوين الأكثرين، وأصبحت عادة محكمة في سائر الأمم والممالك، فما أجهل الناس إذا قصرت كل أمة همها على نفسها، ولم تهتم بغيرها من العالمين!
Неизвестная страница