Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)

Наваль Эль Саадави d. 1442 AH
179

Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Жанры

وأنا أمشي ألمح وجها يشبهه، أتوقف فجأة كأنما أصحو من الحلم، أو أسقط في غيبوبة النوم، نظرة العينين تذكرني، حركة الجسم وهو يمشي، الطريقة التي يحمل بها رأسه وتدوس قدماه الأرض، رنين صوته في أذني، لم أسمعه من قبل وسمعته قبل أن أولد، يختلف عن أصوات الرجال والنساء، مع ذلك يبدو مألوفا، يهمس في أذني كل ليلة، يناديني نوال، يعرفني، يلتقطني من بلايين الأجرام السابحة في الكون، يحوطني، لا أدرك من كيانه إلا العناق، تغرقني اللذة كالمياه الدافئة في بحر الإسكندرية، منذ طفولتي يراودني هذا الحلم، أكثر من ستين عاما يراودني في النوم واليقظة، هو الوحيد بين الكائنات الحية يعرف كيف يعانقني، كيف يذوب كيانه في كياني، بلا ألم بلا أسى بلا إثم بلا توبة، بلا إذن، ولا مأذون، ولا استئذان، أستجيب له كالسماء تحن إلى الأرض، كالصحراء لم تعرف المطر، كالطير يندفع تجاه البحر، كالفراشة تنجذب إلى اللهب، تنحرق تصير رمادا، مع ذلك لا تكف عن الانجذاب والاحتراق حتى الموت والحياة من جديد دون توقف.

أهي اللذة المستحيلة إلا في الخيال؟! في طفولتي كنت أسمع النسوة يتهامسن بها، يقربن رءوسهن، يسري بينهن الهسيس، الشبق المحترق في عيونهن، الشهوة المكبوتة في أعماق الجسد، والروح والعقل، يتزوجن وينجبن ويبلغن سن اليأس وهي مكبوتة، يعشن ويمتن ويدفن في القبور وهن عذراوات، لماذا يعجز رجال العالم عن فض بكار النساء في الحياة الدنيا؟! أهي مشكلة تاريخية منذ انفصال الروح عن الجسد والسماء عن الأرض؟! ألهذا ليس للرجال عمل في جنة عدن إلا فض بكارة العذراوات؟

لكل واحد منهم اثنتان وتسعون عذراء، ويعود الغشاء سليما ليتمزق ثم يعود سليما ليتمزق وهكذا إلى ما لا نهاية؟! •••

عام 1958م قضيته في مستشفى الأمراض الصدرية بالعباسية، أركب الأتوبيس من الجيزة إلى ميدان التحرير، ثم الترام إلى العباسية، أهبط في نهاية الخط، أمشي في الصحراء مسافة الساعة بخطوة سريعة، أمر في الطريق بمستشفى الأمراض العقلية، الأشجار الكثيفة الأوراق تطل من وراء السور العالي، رءوس المرضى المنكوشة، يقفز أحدهم من فوق السور، يقبل نحوي داخل مريلته البيضاء مربوطة بحزام رفيع حول الوسط، يقهقه باندهاش إنتي مجنونة ولا إيه؟!

أمي اشتد عليها المرض، أسمع أنينها طول الليل، أبي كالجمل المنهوك يحمل العبء، أخي الأكبر تخرج واشتغل في مديرية التحرير، مشروع جديد بدأته الثورة لزراعة الصحراء، بقية الأخوة والأخوات في المدارس والجامعات، وأنا أصابني الهزال، أخرج كل صباح في السادسة لأصل المستشفى في الثامنة، ساعتان أقضيهما في الطريق، ساعة داخل الأتوبيس والترام، وساعة أمشيها في الصحراء، أصابتني ضربة شمس، تهب العاصفة فيغرقني الرمل، يدخل تحت ملابسي، بين القدم والحذاء، بين الجفن والعين، العرق يغرقني وأنا أمشي، أحمي رأسي من الشمس بحقيبتي، عيناي حمراوان، أصابع قدمي تسلخت، أصل إلى المستشفى منهوكة الجسد، هياكل بشرية تتحرك داخل العنابر، كالأشباح معلقة بين الحياة والموت، لا يكفون عن السعال، لكل منهم كوز من الصاج الصدئ مملوء بالدم والبصاق، بعضهم لا كوز ولا سرير ولا مرتبة، يرقدون على الأرض في الممرات، يبصقون على البلاط، بقع الدم كاللطع الحمراء، أدوس عليها وأمشي، أنفاسي محبوسة، الهواء معدوم والرائحة غير محتملة.

وجهي أصبح طويلا نحيلا، عيناي السوداوان اشتد سوادهما، علامة المرض بالسل، فالدرن الرئوي يضفي على العيون بريقا كالضوء، الاقتراب من الموت يشعل الرغبة في الحياة، والرموش تزداد غزارة، وشعر الرأس يزداد نعومة وكثافة، يضفي الدرن على الإنسان جاذبية خاصة، رهافة الحواس مع الألم واليأس، والسير على الحافة بين الحقيقة والوهم.

في هذه الحالة تصير الكتابة هي الملاذ الوحيد، تتحول الحياة إلى حروف فوق الورق، المرض والموت والحب، الثالوث المترابط يصبح الإنسان فريسة له، يلتقط العدوى لأقل نفس، ينزف حتى الموت بلا صوت، ويسقط في الحب دون أن يكون هناك أحد.

كتبت قصة بعنوان: «الحرباء والحب»، لم ينشرها أحمد بهاء الدين في مجلة صباح الخير: «أرجوك يا نوال ابعدي عن الموضوعات الحساسة.» - «وإيه هي الموضوعات الحساسة يا بهاء؟» - «الثالوث إياه مش عارفاه؟» عارفة اتنين بس: ربنا وعبد الناصر، والثالث مش عارفاه؟ - «الثالث هو الجنس يا دكتورة.» - «لكن القصة دي مافيهاش جنس خالص!»

كانت القصة تدور حول حرباء بلون الرمال، ألتقي بها في الصحراء كل يوم وأنا في طريقي إلى المستشفى، تهز ذيلها فرحا حين تراني، أخاف منها، أتصور أنها حية، في خيالي منذ الطفولة خوف من الحية، أراها في الحلم تسعى كالأفعى، ألم تكن هي الشيطان الذي أخرج آدم وحواء من الجنة؟ لكن هذه الحية تفرح بلقائي، تقفز فوق تل الرمل رافعة ذيلها، عيناها الصغيرتان تلمعان في ابتسامة، أتفاءل بها، أفرح بوجودها، كانت صديقة لحواء، أليست هي الحية التي دلتها على شجرة المعرفة؟! قالت حواء في كتاب الله التوراة: «قال الله لا تأكلا من ثمر هذه الشجرة ولا تمساه لئلا تموتا، فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت حواء أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل، فانفتحت أعينهما، وسأل الله آدم: هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها، فقال آدم: المرأة أعطتني من الشجرة فأكلت، فقال الله لحواء: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت: الحية أغرتني فأكلت، فقال الله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت، على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حملك بالوجع تلدين أولادا وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، ودعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أم كل حي، وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد، فطرده الله من الجنة، وأقام آدم وحواء شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة.»

لم تكن الحية عدوة المرأة، الرب هو الذي وضع العداوة بينهما، وهو يؤكد هذه الحقيقة في سورة البقرة:

Неизвестная страница