Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Жанры
رياح الشتاء جاءت من ناحية الشمال تحمل البرد والصقيع، جو من الكآبة يخيم على مدينة القاهرة، كلية الطب صامتة كأنما مات كل من فيها، منذ سافر أحمد إلى القتال أصبح الكون مهجورا، شبورة سوداء تحجب الشمس، والهواء ثقيل تشبع بالحزن والهزيمة، كنت أصحو من النوم على صوتي يهتف في الحلم: يسقط الإنجليز! يسقط الدكتور دري! كان الدكتور «دري» هو الأستاذ الإنجليزي الوحيد الباقي في كلية الطب، رحل الآخرون مع تصاعد الحركة الوطنية، يشبه النمر المتوثب داخل معطفه الأبيض القصير حتى الركبتين، يحمل قلما أسود ضخما يطل من جيبه كالمسدس، يصوبه نحوي حين يكلمني، وفي الحلم يطلق علي الرصاص، أهب من النوم صارخة: يسقط الإنجليز، يسقط الدكتور دري! منذ تخرجت في ديسمبر 1954م لم أره، مضت أربعون سنة منذ رأيته آخر مرة، لكن وجهه باق في ذاكرتي، بشرته بيضاء حمراء مشربة بدمائنا، مجدولة بعناقيد الاستعمار، قصير نحيف الجسم، فكاه عريضان، عيناه تخرقان زجاج نظارته الطبية، يتمشى فوق المنصة منتفخا بالكبرياء، ذراعاه معقودتان خلف ظهره، يتلو المحاضرات بصوت حاد مثل طلقات المسدس، لا يكف عن ترديد كلمة: هواي؟ بعد كل جملة يرشقنا بالسؤال: هواي؟
ذلك اليوم استدار الدكتور دري ليكتب كلمة «هواي» على السبورة
Why
أصبح ظهره ناحية الطلبة، رءوسهم منكفئة فوق الكشاكيل يكتبون، الصمت مطبق في المدرج الكبير والأنفاس مكتومة، فجأة انطلق صوت من وسط الطلبة يهتف بلغة إنجليزية ركيكة:
Why you English here in country? «لماذا أنتم في بلادنا يا إنجليز؟» ثم اختفى الصوت في الصمت كفص الملح يذوب في مياه المحيط.
تجمد الدكتور «دري» في مكانه قبل أن يستدير ثم استدار ليواجه الطلبة، عيناه زرقاوان تحملقان، مئات الوجوه مصفوفة على شكل أنصاف دوائر تصعد حتى السقف، عيناه ككشافين يدوران فوق الوجوه، كما كان يدور فوق وجوهنا كشاف ضابطة الداخلية ونحن نائمات في العنبر، ثم انطلق صوته:
if you are a man stand up «إذا كنت رجلا انهض واقفا!»
لا أحد يقف، لا صوت يسمع، مات المدرج بكل من فيه حتى الدكتور دري، لم أسمع إلا صلصلة جرس الترام في شارع قصر العيني، دوت في الصمت كصفارة وابور الطحين في منوف، أو صرخات متقطعة لطفلة تشهق، ثم بدأت الحياة تعود إلى المدرج، أول من تحرك كان الدكتور دري، أخرج من جيب معطفه الأبيض منديلا حريرا كبيرا مسح جبهته وأنفه الأحمر، مسح يديه من الطباشير والعرق، طوى المنديل بحركة مسرحية بطيئة ، أربع طيات، طوى المنديل ... أعاده إلى جيبه، انفرجت شفتاه عن ابتسامة ساخرة، مد يده وأغلق كتابه المفتوح أمامه، وضعه تحت إبطه، سار نحو الباب الأمامي بخطوة بطيئة، فتحه بهدوء ثم استدار، قبل أن يخرج حملق في الوجوه ثم صاح:
We are here because you are cowards «نحن هنا لأنكم جبناء» كلمة «كواردز» بالإنجليزي يتضاعف مذاقها المر حين تنقل إلى اللغة العربية.
انطلقت الكلمة من فمه مثل القذيفة بيضاء بلون البصاق، رأيتها تطير من فمه بحجم حبة الفول، حلقت في الجو وانقسمت إلى مئات الذرات الصغيرة، بعدد الطلبة في المدرج، فوق وجه كل واحد منهم التصقت البصقة، لم يرفع أحدهم يده ليعترض أو يمسحها عن وجهه، في الليل وأنا نائمة أنتفض بالغضب، أكثر ما يغضبني أن البصقة فوق وجهي أيضا، يدي لم ترتفع لتمسحها، ملتصقة بوجهي لا تزول وإن اغتسلت بالماء والصابون. •••
Неизвестная страница