Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Жанры
في الليل أسمع صوتا ينطلق من الميكروفون، لا أعرف من أين تأتي؟ من مئذنة الجامع؟ قبة الكنيسة؟ الديسكو كلوب، ماكدونالد؟! صوت غريب يسري في ظلمة الليل، اقتلوهم حيث وجدتموهم، الكفرة أعداء الله فلان وفلان، أسماء أدباء وشعراء، ثلاثين أو أربعين اسما، ويرن اسمي و«نوال السعداوي»، يخترق رأسي مثل طلقة الرصاص، تدوي حروف اسمي في الليل: اقتلوها الكافرة عدوة الله. للصوت فحيح كأنفاس ثعبان، تفوح منه رائحة غريبة تشبه النفط.
كنت مستغرقة في كتابة روايتي الأخيرة: «الحب في زمن النفط»، في أعماقي أدرك أن النفط هو القوة الخفية تحرك الأشياء من وراء الستار، أضع خطا تحت كلمة النفط، أشعر بشيء من الراحة، خطوة أولى لإعطاء اسم للقوة المجهولة بلا اسم، هناك علاقة بين النفط وقائمة الموت، أمسك بأصابعي طرف الخيط، لولا النفط ما قامت حرب الخليج في يناير 1991م، ما تحركت جيوش ثلاثين دولة على رأسها الجيش الأمريكي، لولا النفط ما تحرك الجيش البريطاني وأقام في فلسطين دولة إسرائيل، لولا النفط ما انقلب العالم ضد إيران في عهد مصدق، لولا النفط ما احتكم علينا ملوك لا يعرفون القراءة ولا الكتابة.
في الرواية كان النفط هو البطل، الجزيرة غارقة في بركة من النفط، يحكمها صاحب الشركة «الخواجة»، ولا يتحدث اللغة العربية، وصاحب الجلالة الملك مندوب الله على الأرض رأس العائلة المقدسة ، تبدأ الرواية بامرأة عادية من الشعب تخرج من بيتها في إجازة يومين، كان هناك أمر من صاحب الجلالة: «ممنوع على النساء القيام بإجازة، إن خرجت المرأة يتم القبض عليها وإعادتها حية أو ميتة.»
أغرقت نفسي في الكتابة، أسابق الزمن أخشى أن يسبقني، فكرة الموت تراودني دائما مع عملية الخلق، ينتابني القلق كلما بدأت عملا إبداعيا، أحوطه بذراعي كالطفل أخشى عليه الضياع، أمشي فوق الرصيف أخشى أن تصدمني سيارة، لا أبغي من الدنيا سوى أن أعيش لأكمل العمل، لينمو المخلوق الصغير ويستقل.
فكرة الموت لا تفارقني منذ جاءت الحراسة، لا يمر يوم دون أن أسمع هذه الكلمة «القايمة»، القايمة مين فيها النهاردة، مين انضرب بالرصاص، في مصر وفي الجزائر، يستخدمون في القتل مدافع رشاشة ودراجات بخارية، يهربون وتفشل الحكومة في القبض على القاتل، البودي جارد يدق الجرس كل يوم، الحراس أمام البيت أمسكوا شخصا مجهولا حاول الصعود إلى شقتي، كلما دق جرس الباب أتوقع القاتل، لم أعد قادرة على الكتابة، فكرة موتي بالرصاص تحلق فوق رأسي، أطردها فتعود مثل ذبابة عنيدة، يكبر حجمها أحيانا فتصبح كالطائر الأسود الضخم، لا يشبه النسر ولا يشبه الصقر ولا الحدأة ولا أي كائن آخر، يفرد جناحيه فوق رأسي وأنا أكتب، أتوقف في منتصف السطر، قبل أن أكمل حروف الكلمة يتجمد القلم في يدي. - مالك يا نوال؟ فيه حاجة؟ - مش قادرة أكتب يا شريف، عقلي واقف مشلول.
يناولني شريف كوبا من عصير البرتقال، أو فنجان شاي، ينظر في ساعته، يرى أنني لم أنهض من مقعدي وراء المكتب سبع ساعات أو ثماني أو أكثر، أحيانا كنت أجلس إحدى عشرة ساعة دون أن أنهض. - «ريحي نفسك شوية، إدي نفسك أجازة يا نوال.» - الإجازات ممنوعة يا شريف بأمر من صاحب الجلالة الملك. - الملك مين يا نوال؟
كنت أعيش داخل الرواية، يشدني شريف إلى الواقع، أعيش على الحافة أتأرجح بين الخيال والحقيقة، أشد عضلات ظهري وأنهض بصعوبة، قدماي وارمتان، فقرات العمود الفقري أسمعها تئن، كصرير الساقية في طفولتي، أصابتني الكتابة بمرض مجهول يشبه الانزلاق الغضروفي.
كل صباح كانت الصحف تدخل إلى شقتنا، قوة مجهولة تدفع بها تحت عقب الباب، الرجل صاحب الكشك على ناصية شارع مراد مع شارع الجيزة، اسمه «محمد» يركب دراجة يوزع الصحف على البيوت، يفرشها فوق الرصيف، يعلقها على جدران الكشك، أمر بها في طريقي إلى كورنيش النيل، أحرك عيني بعيدا عنها، في البيت أتركها فوق الأرض، أركلها بقدمي لأفتح الباب، لا أقربها في الصباح، إن قرأتها أفسدت علي اليوم، كالسم تقتل بوادر التفكير في خلايا المخ .
أصحو من النوم أشكو من الصداع، أجلس إلى مكتبي مربوطة الرأس، عقلي مثل الأرض البور، الصحراء القحط، لا تنبت فيها زهرة، لا أضع كلمة واحدة فوق السطر، أعيد ما كتبته بالأمس، يبدو فارغا من المعنى، كلمات ميتة كالزهور فوق القبور، أمزق أوراقي أقذفها بطول ذراعي، أضع رأسي تحت ماء الدش، أبلع أقراص الأسبرين، أضرب الجدار بقبضة يدي، لا شيء يعالج الألم، كالسكين يشق رأسي نصفين، يدخل شريف إلى غرفتي يراني منكفئة فوق مكتبي، القلم في يدي مكسور، أوراقي من حولي ممزقة: «نوال فيه إيه؟» - «مش قادرة أكتب يا شريف!»
كنت أتلقى تهديدات بالقتل، أصوات مجهولة تأتيني عبر أسلاك التلفون، شتائم باللغة العربية الفصحى، والعامية المصرية، تشوبها أحيانا لكنه ... خليجية، سعودية وكويتية وجزائرية، عبر البريد تأتي الشتائم على شكل رسائل بدون توقيع: «يا كافرة يا عدوة الإسلام، يا حليفة الشيطان التي أخرجت آدم من الجنة وسبب الموت والخراب، كنت تنشرين سمومك عبر جمعيتك المشبوهة التي أغلقتها الحكومة وحولت أموالها إلى جمعية نساء الإسلام، نعم إن النساء المسلمات المؤمنات أحق منك بهذه الأموال، فهي أموال حرام ما لم توجه لخدمة الدين الحنيف، وما هذا الشعار الكافر الذي رفعته في جمعيتكم المنحلة، (رفع الحجاب عن العقل)، ألا تعرفين أن الله أمر النساء المسلمات بارتداء الحجاب، كلمة الحجاب مقدسة، كيف تحرضين النساء ضد طاعة الله، مثلك لا يستحق إلا الموت!»
Неизвестная страница